الأحد، 24 فبراير 2013

الحالة المصرية وما لم تقله المعارضة



ما هي الثورة بداية:
أقدم بتعريف الثورة كما ورد في أغلب كتب العلوم السياسية وأقول: الثورة هي توحيد جهود أفراد مجتمع ما، في مسار معين؛ ينتج عنه قوة ضخمة؛ تستطيع تغيير شكل المجتمع كما يحدث عندما نقلب قطعة العملة.
أعمار الثورات:
وهنا يجب أن نقول أن الثورة ليست هي الثمانية عشرة يوما التي بقيت فيها الجماهير في الميدان حتى تنحى مبارك، وإنما الثورة في الأساس هي إنجاز متواصل المرحل يجب أن ينتهي بتنفيذ أهداف محددة سلفا، وللعلم يجب أن نعلم أن أعمار الثورات في التاريخ بين خمس إلى خمسة عشر عاما أو يزيد، فمثلا الثورة البلشيفية ( 1905:1917 ) والثورة الفرنسية (1789 : 1799 ) وثورة 1919 نفذت أهدافها جزئيا بكتابة دستور 1923 أي بعد أربع سنوات ، وثورة 1952 نفذت أهدافها جزئيا بكتابة دستور 56 المعيب والذي فشل في التأسيس لحياة ديموقراطية؛ بما خالف مبدائ الثورة الست المعلنة وقت قيامها.
مراحل الثورات:
تمر الثورات بثلاث مراحل تتشابك أو تتماهي لدرجة تحتاج معها للتدقيق لتمييز كل مرحلة، وهذه المراحل هي:
1.    مرحلة انهيار النظام ، وهي المرحلة التي بدأت ببداية الثمانية عشر يوما في ميدان التحرير، والتي شهدت حل البرلمان والشورى وإقالة بعض الوزراء وتغيير رئيس الوزراء ثم تنحي المخلوع، ثم أستمرت حتى أقيل شفيق من الوزارة وسقوطة في الرئاسة ثم زوال عمر سليمان ، ثم تنحية المجلس العسكري والنائب العام واستبدال فاروق العقدة محافظ البنك المركزي.
2.    مرحلة الفوضى : ومرحلة الفوضى ضرورة ثورية للأسف، فالنظم القمعية عادة ما تحمي نفسها بالقمع الشرطي أو العسكري ، وبالفساد الذي يدعم بقائها. وحين تنكسر الأجهزة الشرطية أو العسكرية التي تحمي النظام أمام الإرادة الشعبية تحدث حالة من السيولة التي تعيشها كل الدول بعد الثورات، وهذا يهمنا الآن في أمر مهم للغاية، حيث أننا اتفقنا أن الفوضى تابع منطقي للثورة فلا يمكن أن نحاسب السلطة على وجوده، لكن يجب أن نحاسب الجميع ( من في السلطة ومن في المعارضة ) على سلوكه في فترة الفوضى، هل كان سلوكه أخلاقيا أن لا؟. هل سعى لتوحيد الجهود لخدمة مسار الثورة أم شتتها؟، هل دفع في مسار البناء أم حمل معاول الهدم؟.
3.    مرحلة البناء: وهي عادة ما تبدأ فيها ملامح التغيير وتأسيس بنية النظام القادم، الذي يمكن من خلاله الحكم على مدى نجاح الثورة في تحقيق أهدافها. وبالنظر للحالة المصرية ، فلم تؤسس الثورة من ملامحها غير الدستور، الذي لا يمكن أن يكفينا منفردا للحكم على ملامح النظام الجديد، إلا أني أراه مبشرا في صيغته العامة، وما سيتولد عن تشريعات لتنفذه و تحيله واقعا على الأرض هي الأساس في الحكم على القادم.
ضوابط النجاح للثورة:
لكي تنجح الثورة يجب أن نحرص على أربع محددات أساسية لا نسمح للسلطة أو لفصائل المعارضة أن تتجاوزها وهي :
1.    التأكيد على احترام الإرادة الشعبية، وهذا يكون بمراقبة نزاهة الانتخابات ، وتأكيد الإشراف القضائي والحقوقي عليها، ودعم أخلاقيات العمل الانتخابي، والتعفف عن استخدام شائعات التزوير التي تطلقها المعارضة بأهداف سياسية حتى لا يترسخ الشك لدي المواطنين فتقل مشاركتهم فيها، واستنكار أي محاولات لشراء الأصوات أو الدعاية الغير مشروعة، ثم احترام نتائج الصناديق والإزعان الكامل للإرادة الشعبية.
2.    تجنب الممارسات الإقصائية ورفض إقصاء أي فصيل سياسي سواء أكان إسلامي أو علماني أو يساري وفتح خريطة العمل السياسي لكل نسيج الوطن السياسي ، ومحاربة أي أفكار أو ممارسات إقصائية سواء من السلطة أو المعارضة، مع التأكيد على ضرورة تعلم ثقافة الاختلاف التي تثري الحالة السياسية ولا تشتت جهودها. فالإقصاء يعني احتياج المقصي لسلطة تساعده على إقصاء خصومة فإن مارسته السلطة فتحنا باب الفساد الشرطي الذي سوف يستخدم للكبت ثم فساد القضاء الذي سوف توظفه السلطة لتزوير الانتخابات لحرمان من ترغب في إقصائهم ، وهذا سينتج برلمانات فاسدة بما يعيد الحالة لعهد مبارك، والإقصاء إذا ما حاولت المعارضة ممارسته سوف يستدعي التدخل العسكري وربما العودة لعسكرة الحكم أو يستدعي الميلشيات المسلحة والاقتتال الأهلي وكلها سيناريوهات يجب تجنبها.
3.    تجنب الخروج على أداب وقواعد اللعبة الديموقراطية ، فالدولة في حالة الفوضى تشبه ملعب كرة يشتبك فيه اللاعبين في غفلة الحكم، وقد يستغل بعض اللاعبين هذه الغفلة لكسر لاعبي الخصم أو بتعمد الخشونة أو سرقة هدف غير صحيح، ووجب على الشعب أن يراقب أداء كل الخصوم في الملعب ويكون له دوره التقويمي في محاولة حرمان متعمد الخروج على قواعد اللعبة من الاستفادة من مخالفته.
4.    السماح لكل صاحب مشروع أن يأخذ فرصته في التنفيذ في حال وصوله للسلطة، ويبقى دور الشعب في المحاسبة على النجاح أو الفشل هو الفيصل، فيجب أن نعلم أن مصر بها تيارات سياسية متنوعة ينتظمها ثلاث أتجاهات أساسية ( رأس مالي ليبرالي – يساري ناصري اشتراكي – وإسلامي ) لهم جميعا خطط ووسائل مختلفة ومتنوعة لتحقيق أهداف الثورة الأساسية المتفق عليها ( عيش- حرية- عدالة اجتماعية ) ولكن لكل فصيل طريقته التي قد لا تلقى قبول غيره في الوصول للأهداف، ويجب أن تفهم المعارضة أن اختلافها في الأسلوب لا يعطيها الحق في تصوير هذا الأسلوب على أنه الوسيلة الوحيدة للوصول للأهداف فإن اختارت السلطة مسارات ووسائل مختلفة وجب الخروج عليها أو إعاقة حركتها، فلك أن تقتنع بما تريد من أساليب ولكن ليس لك أن تلزمني بها.