الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م واقع الحالة الأمنية المصرية في القرن الماضي وعلاقته بما تعيشه مصر الأن

محاكمة قتلة أمين عثمان

الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م
واقع الحالة الأمنية المصرية في القرن الماضي وعلاقته بما تعيشه مصر الأن




بما أن مصر تعيش حالة كاشفة ، وبما أن الخطاب الرسمي والإعلامي المؤيد للسلطة يصر على اتهام  التيار الإسلامي بتهمة الإرهاب، بينما يصر التيار الإسلامي على اتهام السلطة بأنها راعية الإرهاب والمدبرة له والمنفذة للعمليات الإرهابة التي تحدث.
رأيت أن أبحث في منشأ فكرة العمل المسلح المناهض للسلطة في تاريخ مصر الحديث، وكذالك الحالة الأمنية والسياسية المصاحبة ، لنقف على حقيقة الأمر ، ونرى ما أصاب الموضوع من بدايته من تغيرات يجب أن توضع في الاعتبار الأن.
وأقدم ببعض ملاحظات أعتقد ستفيد فيما أردت أن أقدم له.
الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م، كان أهمها:
اغتيال بطرس غالي باشا وزير الحقانية في عام 1910 م حين أطلق إبراهيم ناصف الورداني الرصاص على بطرس غالي الرصاص فأصابته رصاصاتان في عنقه فقتلته، والمتهم كان من أعضاء الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، والذي اهتم بالتنديد دوليا بحادثة دنشواي التي ترأس قضاتها بطرس غالي، واعتبر الشعب المصري وقتها إبراهيم الورداني بطلا شعبيا قتل الخائن الذي تورط بعمالته للمحتل البريطاني في معاهدة تقسيم السودان، وحاول مد امتياز قناة السويس حتى 2014 م ثم كانت سقطته الكبرى حين أصدرت محكمة دنشواي أحكامها الجائرة على الفلاحيين المصريين لترضي المستعمر. وكل هذا راعته المحكمة التي نظرت قضية الاغتيال ، كما راعت التعاطف الشعبي مع المتهم الشاب ، فخففت من أحكامها عليه.
مقتل أحمد ماهر باشا 1945 م ونفذه محمود العيسوي المنتمي للحزب الوطني أيضا ، ورغم محاولة نسبة منفذ العملية لجماعة الإخوان المسلمين في مسلسل الجماعة ، إلا أن حفيد أحمد ماهر باشا نفى التهمة عن الإخوان وأكد أن العيسوي كان من أعضاء الحزب الوطني.
اغتيال أمين عثمان باشا 1946 م وزير المالية في حكومة الوفد عام 42م حيث كان معروفا عن أمين عثمان عمالته المعلنة للإنجليز وهو صاحب المقولة المشهورة أن زواج بريطانيا من مصر زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه ، وقد أعلن هذه المقولة الصادمة في حضور النحاس باشا رئيس وزراء وقادة الإنجليز في مصر ودعا لجمع تبرعات لدعم جيش المحتل، وقد أدين في القضية عدد كبير من المنفذين وكان من بينهم أنور السادات وإبراهيم كامل وزير خارجيته فيما بعد.
وأثناء المحاكمات كان هناك تعاطفا شعبيا كبيرا مع المتهمين ، وراعت المحكمة الظرف الوطني للمتهمين فخففت عليهم الأحكام أيضا ، والجدير بالذكر أن السادات وابراهيم كامل صدرت أحكام لهم ببراءة وصدر عفوا ملكيا عن أغلب المتهمين عدا المتهم الأول .
إغتيال أحمد بك الخازندار مارس 1948 م ونفذه عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم  وقد ذكر الكتور عبد العزيز كامل وزير الأوقاف المصري الأسبق في مذكراته أن الخازندار كان قاضيا متعسفا في أحكامه ضد بعض شباب الإخوان الذين أعتدوا على جنود إنجليز في الإسكندرية .

إغتيال النقراشي 28 ديسمبر 1948 م وكان الاغتيال بعد 20 يوم فقط من قرار حل الإخوان المسلمين، واستدعاء كتائبها المجاهدة في فلسطين بعد ضغوط مورست من سفير بريطانيا على مصر لحل الجماعة وسحبها من القتال الدائر في فلسطين ، هذا ما يبرر به قادة التنظيم الخاص أمثال محمود الصباغ للاغتيال ، كما أن النقراشي كان رئيس الوزراء ووزير الداخلية في مذبحة فتح كوبري عباس في 1946 م والتي راح ضحيتها العدد الغفير من طلاب جامعة الملك فؤاد وقتها ، وكانت مظاهرات طلابية تؤكد على ضرورة رحيل المحتل البريطاني.
كما تعاطفت أيضا الجماهير مع المتهم وبالأخص بعد نشر صوره بعد التعذيب وهو متورم الوجه ، ورغم هذا أعلن الشيخ حسن البنا رفضه لفكرة الاغتيال في مقاله المشهور ، ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ، وقد حكمت المحكمة بالإعدام على المتهم الأساسي في القضية عبد المجيد أحمد حسن وبالسجن المؤبد على أغلب المتورطين معه.
إغتيال حسن البنا . 14 فبراير 1949 م وكان بعد حل النقراشي للجماعة ومصادرة الأملاك الخاصة بها وبأفرادها واعتقال أعضائها بعد قرار الحل الصادر في 8 ديسمبر 1948 م ، وقد أعيد التحقيق في القضية بعد الثورة وحوكم منفذيها وصدرت ضددهم أحكام رادعة ، وأشار القاضي في حكمه أن الحكومة السعدية قد تورط في القضية مع وزارة الداخلية حيث كان من بين المتهمين محمود عبد الحميد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية  والذي استخدمت سيارته الخاصة في عملية الاعتيال، كما ألمح القاضي أن العملية تمت بمباركة من القصر. وإن لم يثبت تورط الملك بشكل رسمي. والجدير بالذكر أن أحد من نفذوا العملية من الغفر التابعين لوزارة الداخلة قد أعلن شهادته في فيديو متاح على اليوتيوب يؤكد تورط الوزارة والسرايا معا.
وقبل أنهي حلقة اليوم من الدراسة ، أريد أن أوضح عدة نقاط:
أعتمدت على الرواية التي يمكن أن تمثل الحد الأدني المتفق عليه من الكل، هربا من التفاصيل الخلافية التي لن تفيدني فيما أردت الوصول له من استنتاجات.
كما حاولت تقصي أعلى درجات الحصر في المصادر المعتمدة للروايات حتى أتأكد من أن ما أوردته يعتبر محل توافق كل الروايات .
ليس هدفي هنا الدفاع أو الاتهام بقدر تركيزي على عمل شكل من الاستقصاء للظرف التاريخي بهدف الاستفادة من إسقاط المنهج الجلدي الهيجلي على الحدث ورصد  ما موس عليه من حراك بفعل الزمن.
ولكي تكتمل الحالة الظرفيه لما سبق من أحداث علينا أن نرصد التالي.
كانت مصر تخضع للاحتىل البريطاني ، وكان التعاون مع المحتل يعتبر جريمة في وعي المواطن، وإن لم تجرمها قواعد اللعبة السياسية الدائرة على الأرض، حيث كانت الأحزاب وبالأخص في حال تشكيلها للوزارة تحرص على  مغازلة المحتل ، لتضمن الاستمرار في السلطة ، وكانت السرايا تحرص على قنوات اتصال مع الإنجليز لتضمت توازن سلطة القصر مع الحكومة.
كان الحراك الشعبي في مجمله يمارس أشكال من الضغط على القصر والحكومات المتتالية لمنع تنامي نفوذ المحتل في الشأن المحلي ، أو في دعم نشأة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين.
كانت جريمة الاغتيال السياسي لا تقابل بالأستهجان الشعبي كما هو الحال اليوم بل بالعكس كان فاعلها يعامل معاملة الأبطال، على المستوى الشعبي، وكان القضاء في كثير من الأحيان يراعي هذا الوضع، بل وأن المحاميين الذين ترافعوا عن المتهمين في أغلب قضيا الاغتيال السياسي عبروا عن هذا الحال في مرافعاتهم وكان من أشهرها مرافعة إبراهيم الهلباوي المحامي الشهير ونقيب المحاميين الذي قام بدور النيابة في دنشواي وطالب بأقصى للفلاحين وقتها ، وبعدها قاطعه الشعب، وصار مهددا ذليلا حتى كفر عن سقطته بأن ترافع عن إبراهيم الورداني.
وفي كتاب سنوات ما قبل الثورة للأستاذ صبري أبو المجد ذكر أن الحركة الفدائية في مصر والتي كانت ترى أن جلاء الاحتلال ووحدة أراضي مصر والسودان هدفها كان لها قسما خاصا يقسم بع أعضاء الحركة على قبر إبراهيم الورداني لرمزية القبر لدي كل شرفاء الوطن.
كانت مصر تعيش وقتها حالة من حرية الصحافة وقيميتها ، لا نستطيع أن ندعي كمال مثاليتها لكنها كانت أفضل كثيرا مما عاشته مصر بعد ثورة 52 في العهد الناصر من ضغوط ، أو في عهد مبارك من فساد وعمالة واختراق.
وأخر ملاحظاتي أن أغلب القوى العاملة على الساحة السياسية وقتها مارست الإغتيال بشكل منظم تقريبا، فالقصر بارك إغتيال حسن البنا، وعفى عن قتلة أمين عثمان الوزير الوفدي في وزارة النحاس التي جاءت بعد أزمة 4 فبراير 1942 م والتي يتهم فيها حزب الوفد بأن بريطانيا أجبرت الملك على أن يشكل النحاس الوزارة.
الحزب الوطني الذي أسسة مصطفى كامل وضم العديد من قامات العمل الوطني ، تورط منه إبراهيم الورداني ومحمود العيسوي في قضايا اغتيلات، كان كل العاميلين في مجال العمل الوطني يرونها أعمال وطنية عظيمة .
السادات الذي تولى رئاسة مصر كان هو من درب منفذي إغتيال أمين عثمان على السلاح ، وهذا الأمر لم ينكره السادات في كتابة البحث عن الذات، بل أنه كان يعتبره عملا ثوريا .
لم يخرج صوتها بعدها يقول أن السادات لا يجب أن يتولى حكم مصر لأنه إرهابي مثلا مارس الإغتيال السياسي قبل الثورة .

وهنا أنوه لأني شأنشر باقي الدراسة على حلقات سوف أحرص على تضمينها حالة الميلشيات الحزبية والفدائية العاملة في مصر في القرن المنصرم، ودور المنظمات اليهودية واليسارية في بعض الاغتيالات والتفجيرات، وصولا لمحطة المواجهات بين الدولة والإخوان في عهد ناصر، ثم ما تلى ذلك من أحداث في عهد السادات ومبارك، ثم إسقاط كل الملاحظات على واقع مصر الأمنى بعد ثورة يناير.