مما يحرق دمي، أن بعضا ممن يحاولون إحياء
دعاوى التوافق مع المعارضة الغير مستعدة للتوافق أصلا ، يحاولون أن يصلوا لهذا
التوافق على حساب مجاراتهم في المطالبة بإقالة هشام قنديل، وفي الحقيقة أنا أختلف
تماما مع أي تفكير في إقالة قنديل، ولي أسبابي التي أراها منطقية، وتستحق التوقف
عندها في تصوري.
قبل أن أشرح لماذا أرفض إقالة قنديل، علينا
أن نسوق حجج من يطالبون بإقالته، مع الرد تباعا على هذه الحجج، وتفنيدها، سيظهر
حجم الجريمة التي يمكن أن ترتكب بإقالته.
بعضهم يقول أنه يريد حكومة محايدة تدير
الانتخابات، وهذا في تصوري لا يتجاوز التدليس السياسي في شيء؛ ومطلب لم نسمعه حتى
في بلاد الموز، فالمعلوم أنه في النظم البرلمانية تشكل الأغلبية البرلمانية
الحكومة ، ثم حين يحل موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، تكون حكومة الأغلبية
البرلمانية هي الموجودة دائما؛ ولم نسمع بأن نادى أحد بأن تحل حكومة لتأتي حكومة
محايدة للانتخابات.
أما في النظم الرئاسية، التي لا ترتبط
فعليا رئاسة الوزراء بالأغلبية البرلمانية، فأيضا لم نسمع في تاريخ الديموقراطية
بمن نادي بهذا العبث السياسي .
أما في الحالة المصرية فلدينا حكومة لا
تمثل حزب ما، بل هي أقرب للتكنوقراط، نعم بها عدد من وزراء الحرية والعدالة ، ونعم
هشام قنديل يحسب على التيار الإسلامي، إلا أننا لا نستطيع أن ندفن رؤسنا في رمال
التدليس الإعلامي، وننسى أن نسبة الوزراء المنتمين للتيار الإسلامي لا تزيد بحال
عن 30% من الوزارة، وحتى لو فرضنا جدلا أن نسبة الأخونة المدعاة 100%؛ فهذا كما
سبق وقلنا لا يعني أبدا أن هناك على خارطة العالم من سبق معارضينا لهذا المطلب
المعوج.
ثاني الحجج التي يسوقها معارضينا الفطاحل،
أن الوزارة بها وزراء يحسب نجاحهم لكفة الإخوان؛ أمثال وزير التموين، والصناعة ، والشباب،
والتنمية المحلية ، وهذا في تصوري سبب يعتبر فضيحة سياسية ورغم أن المعارضة
المعوجة تجيد التقية السياسية وتحترف تلوين الكلام، إلا أن أي محلل للحجة يكتشف
ببساطة مدى عوارها ، وفقط سأجيب بتساؤل هش ، : هل يفترض بالحكومة أن تعين وزراء
فشلة؛ حتى تعطي للمعارضة المتجمدة فرصة لتنجح؟ يا سادة ليست هكذا تدار الأمور،
فالنجاح مكسب للمواطن المقهور من سنين، ولو أنكم عملتم على الأرض، وزرتم القرى
والنجوع، وكونتم كوادرا ، واصطفيتم عناصرا وناقشتم أفكارا، لما احتجتم من منافسيكم
أن يفشلوا لكي تنجحوا أنتم.
ثالث الأسافي أو الحجج التي يسوقها جهابذة
السياسة المصرية ، أن قنديل ضعيف وفشل في تحقيق الأمن، وهذا فعلا ما نسمية
المغالطة اللفظية التي تعتمد على التدليس الكامل، فالمعروف أن الثورات ثلاث مراحل
يا سادة ، الأولى هي إسقاط السلطة ، ونحن حتى الأن لم نكملها بشكل كامل ، فلدينا
سلطة قضائية محل تشكك في ثوريتها؛ أو ولاءها للقديم، ولدينا جهاز شرطة لم تكتمل
هيكلته، وتطهيره بعد، وليس لدينا برلمان بالمعنى الكامل للكلمة، ولدينا تركة
قوانين معيقة لا تجد آليات للتوافق على إزاحتها. مثل قانون السلطة القضائية وقانون
تنظيم التظاهر الذي يصر معارضينا الأشاوس على تعطيله كلما فتح الملف، وغيرهم كثير من
القوانين التي تصر المعارضة أن تدخلنا فيها مع فزورة البيضة الأول أم الفرخة.
أما المرحلة الثانية من الثورة فهي تعرف
بمرحلة السيولة أو الفوضى ونحن نعيشها جزئيا بقدر ما أسقطنا فعليا من رؤوس تنين الدولة العميقة ، فكل رأس قطعت من
تنين دولة مبارك ترك مكانا؛ نحاول أن نستوفيه بديلا، لكن تقيده الأزمات، وعلى هذا
فمن يتولى السلطة الأن ليس من المنطق أن نسأله عن سيولة هي إفراز طبيعي ومنطقي في
تاريخ كل الثورات، بل يجب أن نشكره لأنه لم يجبن، وتصدى لمسؤلية يعلم مسبقا أنها
لن تكون يسيرة. ولا أنسى هنا أن أشكركم أيها الساسة العباقرة، أن كشفتم ظهر الثورة
وذهبتم تستمطرون شفيق، وأشتون، وميركل، وضاخي خرفان الدعم.
وآخر الأسافي التي يحتج بها جهابذة
المعارضة المجففة ، أن الاقتصاد ينهار بسبب سياسات قنديل، وهنا أقولها لكم ، للأسف
أيها السادة ، أنتم حاربتم لمنع دعم الحكومة بكل الوسائل والطرق، فحاصرتم مسعي
الاتفاق مع البنك الدولي ، وتثيرون زوبعة كلما حاولوا إعادة ترشيد الدعم، أو رفع
الضرائب، أو الجمارك ، وتسعون فسادا لكي تقطعون عليه سبل فتح علاقات مع الدول
المحيطة ، ورغم كل هذا فشلتم في خنقه، بل حاولتم أيضا تعطيل السياحة، والقناة،
وتعطيل قانون الصكوك لمنع التمويل الداخلي ، مع العلم أن هشام قنديل تولى وزارته
على ميزانية لم يضعها هو،و بها عجز ليس بالقليل ، وزاد هذا العجز مع ارتفاع أسعار
الطاقة ، ولكن رغم كل هذا هناك حركة ضخمة على الأرض ، فقد تم افتتاح أكثر من 600
مشروع صرف صحي ومياه شرب ورصف، وتم التعاقد على بناء أربع مناطق صناعية وتم حل
مشكلات كثير من المصانع المتعطلة ، فلم يعد يمر يوم حتى نجد هنا مذلقانا يفتح بعد
تطويره، أو هناك طريقا قد رصف ، أو مصنعأ قد أعيد تدوير ماكيناته، .. عفوا أيها
السادة لقد فشلتم فعلا في إفشال الرجل ، بل فشلتم في منع الخير عن المواطن، الذي
ما كان ينتظر منكم أن تحاربوه؛ لتكسبوا حقيبة وزارية، أو مقعد برلمان، أو حتى
رئاسة .
أخيرا بعد أن فندنا الحجج، وأنا أهرول
محاولا تجنب الإطالة ، أقول لماذا أرفض إقالة قنديل.
لأني أريد أن يتعلم الشعب المصري أن
للديموقراطية منطق، ومنهج يقوم على مصلحة المواطن، وإعلاء إرادته ، وأن نجاح
السياسي على الأرض؛ مرهون بمدى خدمته لهذا المواطن ، وأن التدليس السياسي والتلبيس
على وعي المواطن لن يدفعنا للردة، و لفعل لم يسبقنا له أحد من العالمين.
ولكي يفهم المواطن أن الحكومة لا علاقة لها
بالانتخابات، فالانتخابات قد حظيت بضمناتها الثمانية التي تضمن حيادها وهي ( قانون
تم إعداده في ظل مجلس تشريعي منتخب ، هيئة عليا تدير الانتخابات باستقلال كامل ،
إشراف قضائي كامل ، رقابة المجتمع المدني ، رقابة دولية ، رقابة مندوي المرشحين ،
كل هذا مع غياب قانون الطوارئ؛ الذي كان يفسد مناخ الانتخابات السابقة، وحرية
الإعلام الكاملة؛ التي لا تسمح بالتزوير فعليا. ) إذا فلا داعي لممارسة التقية
السياسية ودعونا نتحول لدولة ديموقراطية بحق.