الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

هل ندرك حجم جريمتنا


هل ندرك حجم جريمتنا


يقلقني فعلا وعي الجيل القادم، الذي كان بحكم حالة الانسداد السياسي؛ منصرفا بالكلية عن الشأن العام، وبعد الثورة بدأ هذا الجيل يحاول أن يتعلم، لكن للأسف لم تفلح النخبة في إعطائه النموذج التطبيقي الصحيح، ولو تبنى هذا الجيل هذه الصور المغلوطة عن أبجديات العمل العام، فستعاني مصر لعقود من هذا الوعي الفاسد.
ولكن يبقى المرار في أننا علمنا جيلا جديدا منهجا فاسدا يهمش دور المعارضة كناصح ومراقب ومنافس شريف ، ويعظم أليات هدم الخصوم، ونكد الضراير، والتآمر مع الثورة المضادة في الداخل، والاستقواء بأعداء الخارج. وكلها ممارسات تصنع مستقبلا قاتما.
علمنا هذا الجيل أن حرق المقرات عمل ثوريا، وعلمناه أن البلاك بلوك ثوار ، وأن الوصول للبرلمان يعتبر سرقة للثورة ، وأن الحشود في الميادين يمكن اعتبارها بديلا عن الصناديق كممثل للإرادة الشعبية ، وأن الطليعة الثورية بديلا عن الإرادة الشعبية.
علمناه في الإعلام الاستيريوتايب وصناعة الأنماط المتصارعة ، وانعدام الموضوعية ، وأن الشاشات تباع لتتحول لأذرع يتنازع بها الكبار ، أن الإسلام الوسطي يمثله راقصة وممثلة ودعي معمم كان مسؤل تثقيف في حزب شيوعي . وأن السباب والخروج عن الذوق إبجدية إعلامية جديدة.
فهل ندرك حجم جريمتنا التي أجرمناها في حق هذا الوطن؟
  


إعلام الثورة وإعلام ما بعد الثوة

إعلام الثورة وإعلام ما بعد الثوة

حين تضيع منا الخطا في سبل الوصول ، وتختفي علامات الطريق، ويتنامي في داخلنا الشك. علينا أن نقف، ونعيد حساباتنا بعد الخروج من دائرة الحدث، ولعل وقفتنا هذه تتيح لنا فرصة لاستعادة ملامح الطريق.
مصر ثارت، في 1882 ، و 1919 و 52 وفي 71 ، ولكن في جميع الحالات لم تكمل ما ثارت من أجله، بل تشتتت بها الدروب ، وضاعت أهداف ثوراتها بالتدريج، والسبب أنه دائما ما تضيع منا الأهداف في زحام التدافع الذي لا يعلي من قيمة الصالح العام، فتتساقط الغايات في ظل صراع الوسائل.
ولكي نعود لثورتنا بوجهها الفاعل علينا أن نعيد مبايعة الغايات.
ولدي معيار سهل وبسيط نضبط به زوايا العجل الثوري على المسار، وهو ليس معيار فلسفي خرج من بنات أفكاري حتي يجادلني فيه غيري، وإنما معيار موضوعي صنعته حناجر الملايين في الميادين.
علينا أن نعيد اكتشاف المعاني المضمرة في أيدلوجية الميدان التي عبرت الأيدلوجيات جميعا، واستطاعت أن تصنع الحشد الذي أنجح الثورة.
"الشعب يريد"، شعار على صغر مبناه إلا أنه عميق في معناه إذا تذكرنا حال الشعب المصري منذ عهد الفراعين، وهو يرى طبقة من الملوك الألهة تساندها جوقة من رهبان المعابد وأصحاب المصالح، تتحكم في كل شيء ، يبنما تركت للشعب دور المتفرج الصامت.
وما كان تزوير البرلمان في مصر، وزراعة نخبة ممن يسمونهم المفكرين والمبدعين والساسة تقوم بدور الأكسيسوريز لاستكمال بناء هرم الدولة في مصر بعيدا عن محاولة استلهام أو الاستبصار بما يطلبه المشاهدون، إلا شكلا من أشكال هذه الأزمة الفرعونية القديمة.
"الشعب خط أحمر" وهي طلقة أخرجتها الحناجر التي رأت على مدار الدهور أن من لم يقنع بدور المتفرج الصامت فعليه أن يتحمل انتهاك الكرامة. فأرادت أن تصوغ عقدا اجتماعيا جديدا ، يؤكد استحقاق الكرامة .
"أيد واحدة" دليل الوصول ، والخط الأخضر الواصل بين مرافئ الانطلاق ومرافئ الوصول، وصافرة الخطر التي تحذر من تساقط الغايات في دروب التدافع . وتغول الوسائل التي يفترض فيها التنوع ، حتى كادت أن تقسم الناس لجذر تتصارع وتتباغض وتتدابر على الوسائل رغم اتفاقها على غاية وحيدة.
وهكذا يمكن رسم السبيل، واكتشاف كل من حاد عن السبيل ، والتوثق من صحة مسار السائرين نحو حلم الشباب الذي أحسنوا صنعه، ويجب أن نحسن نحن الكهول فهمه.
مصر تحتاج لانتقال ديموقراطي يتعافى معه دور الإرادة الشعبية، وتحترم فيها هذه الإرادة وتوقر، مع الاعتراف بأنه سيكون هناك عثرات لكن هذه العثرات هي أولى خطى الديموقراطية الوليدة وعلينا جميعا أن نراها بهذه العين.
مصر تحتاج تقديس حقوق الفرد، واحترام كرامته ، سواء أكان هذا الفرد في السلطة أو المعارضة. مصر تحتاج أن تعمل كل فصائلها السياسية في النور وأن لا نطارد فصيل لنلجأه للعمل تحت الأرض فينبت لنا ملا تحمد عقباه من الأفكار.
مصر تحتاج لخطاب تعبوي وحدوي يجمع ولا يفرق.
لكن ما رأيناه من إعلام ما بعد الثورة كان كارثة - بمعنى الكلمة بحق- في جله. فقد استفاد إعلام ما بعد الثورة مما أنتجت الثورة من مناخ حرية قد توصف بالسيولة، فما كان من هذا الإعلام إلا أن وظف هذه الحرية لدعم الثورة المضادة التي ما وعت أبدا شعارات الميدان ، والتي ما استوعبت قط أحلام هذا الشعب وطموحاته، فارتدت الأبواق الإعلامية شوكة في ظهر كل القيم الثورية ، وأشاعت روح من اليأس وكرست للفرقة ، ودعمت العنف، وشوهت الحقائق وقلبت المعايير.
وهذا التحدي يضع على كاهل إعلام الثورة عدة تبعات ثقال وهي:
-         صناعة نخبه حقيقية تجيد التحدث باسم الناس بصدق وتجرد، وذلك بفتح المنابر الإعلامية لكل من لديه ما يفيد.
-         التواجد في المحافل الثقافية واكتشاف المواهب والطاقات التي عطلها إعلامنا لأنها لا تعزف على نفس منواله.
-         تنظيم مسابقات في البحوث والشعر والقصة وكافة المجالات الأدبية ، مع إتاحة فرص لهذه المواهب الجديدة .

هذا فإن أفلح الإعلام الثوري في بناء نخبة ثقافية متجردة للوطن، أكدنا مسار استقلال الوعي، والانحياز المتجرد للوطن وأحلامه.