هل يوم الغضب العالمي يعد سقوطا للبرالية ما بعد الحداثة؟
كم أنتظرت هذا اليوم، نعم كنت على يقين أنه سيأتي ، لكن لم أكن أتصور أن الربيع العربي سيكون مطلق شرارته. بل كنت أتصور أن يسبق هو الربيع العربي .
فلبرالية ما بعد الحداثة قد تخلت عن المحرك الأخلاقي والقيمي مع الإبقاء على المحرك البرجماتي؛ ولثقتي أن العدالة الاجتماعية والمساوة والإخاء وهي المحركات الأخلاقية التي قامت عليها دعائم النظم الغربية الليبرالية والديموقراطيات الحديثة .
وبغض النظر عن نضج الفكرة إبان الثورة الفرنسية ، وانهيار النظم المبنية على فكرة التفويض اللآهي وأستعادة الشعوب لحق التعاقد الاجتماعي، وحقن العقد الاجتماعي بالبعد القيمي الذي استطاع إنشاء نظم تنتصر لقيم العدل والمساوة. فأنشأت مناخ منتج للنهضة، وداعما للرضى الشعبي، صانعا حالة من القيمية التي ضخت صحة وقوة في تلك النظم؛ مهدت للنجاح.
ولو أعملنا كل النظريات الجدلية سواء المادية أو التاريخية لوجدنا أن الحلقة الجدلية كانت قد اكتملت بالفعل مع تورط الغرب في افتعال الحروب ( سواء في العراق أو أفغانستان) بهدف إيجاد سوق لأسلحته، والسيطره على الموارد النفطية للعالم. ولا نحتاج هنا للحكي حول أنهيار القيمة؛ بل وهوان أعظم القيم وهي الحرية والحياة أمام علو البرجماتية.
الخضوع التام لتأثير اللوبي الصهيوني بذهبه وآلته الإعلامية ، مع غض الطرف عن كل الجرائم الدولية التي يرتكبها هذا الكيان؛ هي شكل آخر من تغليب البرجماتية على القيم.
التدخل الغربي في دعم النظم الراديكالية التي أسقطتها ثورات الربيع العربي، بهدف توظيف هذه الأنظمة البغيضة لإحكام تدخل الغرب في هذه الدول، هو أيضا دليل مكشوف على انتصار البرجماتية على القيم الأخلاقية.
قد يظن البعض أن هذه المشكلات التي تمس الشأن الخارجي في سياسات الدول؛ لا يمكن أن يكون هو المتسبب في ثورات شعوب الغرب التي أفرزت يوم الغضب العالمي؛ ولكن الجنود التي تقتل على أراضي بعيدة هذا أمر داخلي بحت؛ وخواء قيمي مع ورم برجماتي يصب في جيوب القلة المستفيدة ببيع دماء مواطنيها لتراق على رمال في نظر المواطن لا تعنيه في شيء.
الفيتو الذي يدعم الصهاينة يفضح دور ذهب شايلوك في إفقاد الغرب استقلالية ووطنية قياداته، وهذا الشك قد جسدته السينما الأمريكية في تيار متنامي خلال العشر سنوات الماضية.
النظم العربية الفاسدة، حين سقطت؛ سقط معها قناع الغرب المدعي للبرائة؛ وأفقد المواطن الغربي احترامه في عين كل الشعوب التي حملت أمريكا والغرب وزر ما عانت من فساد وفقر وقهر. وفضحت خواء الحلم الذي روجت له آلة الإعلام الغربي.
أستطيع أن أجزم أن العدل مفتاح الحكم، وأن القيمة هي الدم المتدفق في عروق الدول الناجحة، وما عانت منه النظم التي أفرزت يوم الغضب العالمي، هو في نظري حالة خواء القيم، وتزاوج المال والسلطة في ظل البرجماتية السائدة، وهو ما أستطيع أن أوصفه بحالة الأنيميا الحادة التي استنزفت دم الأمم وقوتها؛ لتبقيها هزيلة مهترئة تتسع فيها المسافات بين الطبقات وتتآكل فيها الطبقة المتوسطة لصالح النمو السرطاني الأفقي للفقر، مقابل النمو الرأسي الحاد لطبقة الأغنياء. مع حالة فقد للثقة بين الشعوب والقيادات، و تلاشي الكرامة التي أتنجه ضبابية الحلم.
كلمة أخيرة؛ الديموقراطية على جمالها لكنها ليست تابوا ؛ واللبرالية على قربها من الصواب لكنها ليست دوجما، والحضارة الإسلامية قد تستطيع بما لديها من معيار قيمي راسخ قادرة على إصلاح عوار التجربة البشرية التي وضعت الثورة الفرنسة حجر أساسها بتحصين هذا التجربة مما أصابها من نزف قيمي، وهذا يدعونا جميعا أن نعي كم خسرنا حين صدقنا فزاعة الدين. ويحملنا جميعا مسئولية أن نعيد التفكير جديا في تقريب المسافة بين ما ظننا لحين أنه اجتماع أضداد. ولكني أراه خلاف لم يصنعه غير عدم الدقة في التعاطي مع مفاهيم وتعريفات مثل مدنية الدولة والثيوقراطية والعلمانية واللبرالية والوقوف على التعريف الدقيق لدلالة هذه المفاهيم وظروف النشأة التاريخية ومناقشة نقاط التماس والتضاد بين هذه المفاهيم ونظريات الحكم الإسلامية، وأتصور أن مسافات التوافق قد تجمع الكل لو خلصت النوايا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق