مرونة الدخل كمعيار للتنمية.
صناعة الوعي بصناعة المعايير
قال لي الجزار الذي يعلم أني مازلت متفائل، نفسي أعرف أنت مش شايف البلد
بتخرب ؟! أتمنى أن أفهم أنت متفائل على أيه؟
فابتسمت كعادتي وقلت ببساطة لست قادر على تصديق إعلامنا الكاذب ، ولست أثق
في صحة مقولة أن البلد بتخرب.
فقال صديقي الجزار وهو متحير، يعني كل القنوات دي بتفتري؟
فقلت: شوف يا سيدي ، أنت قبل الثورة كنت تتشارك مع جزار آخر في عجل تذبحونه
كل أسبوع، واليوم أراك تعلق أربع ذبائح في الأسبوع.
قال نعم بس امسك الخشب، فقلت أن لا أصدق هذه التخاريف، دعنا نحلل ما أقصد؛
لتعلم أني محق في تفاؤلي، فأنت تعرف أني مغرم بصناعة معايري الخاصة، بطريقتي
الخاصة.. لو أن هناك مواطن مريض بالسكر دخله الشهري 1000 جنية، ثم زاد دخله ليصل
1500 جنية ماذا سيفعل؟ بالتأكيد هذا المواطن الذي كان يشترى مني علبة دواء السكر
شهريا، لن يشتري مني بعد زيادة مرتبه ثلاث علب من نفس الدواء لأن مرتبة زاد. لكنه
قد يشتري شامبو وكريم وعطر لم يكن يقدر على شرائها قبل زيادة راتبة، هذا المواطن
الذي كان فقيرا؛ كان يشترى اللحم المجمد المستورد، واليوم يشترى لحم بلدي من عندك
أيضا، فصرت أنت تذبح أربع عجول بالأسبوع.
نظر لي الجزار مشككا وقال، لا تنسى أن الفراخ زاد سعرها، وهذا سبب أن الناس
تقبل على شراء اللحم.
فقلت قد يكون هذا سبب ، لكن في دراسات مرونة الدخل يقال أن الدخول إذا زادت
؛ زادت حركة السلع الجيدة ، وقلت حركة السلع الرديئة ، ولم تزد حركة السلع
الأساسية كدواء السكر ، فإن نظرت عندي في الصيدلية أجد أن معدل البيع في الأدوية
لم يتغير كثيرا ، لكن فعلا هناك زيادة واضحة في بيع أدوات التجميل والكماليات وهذا
ما يؤكد أن هناك زيادة في الدخول.
وهنا ابتسم الجزار وقال : أتفق معك، وأقر أنني شخصيا لدي زيادة في دخلي ،
ثم سكت قليلا وعاد ليقول متشككا، لكن الأسعار زادت وأكلت زيادة دخلي.
فقلت أتفق معك في هذا، لكن لا تنسى أنك استبدلت السلع والخدمات الرديئة
بغيرها أكثر جودة، وهذا ما نسميه التنمية.
وأخيرا ابتسم جاري الجزار، وقال دائما أحب جر شكلك لأخرج منك بمعيار جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق