الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م واقع الحالة الأمنية المصرية في القرن الماضي وعلاقته بما تعيشه مصر الأن

محاكمة قتلة أمين عثمان

الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م
واقع الحالة الأمنية المصرية في القرن الماضي وعلاقته بما تعيشه مصر الأن




بما أن مصر تعيش حالة كاشفة ، وبما أن الخطاب الرسمي والإعلامي المؤيد للسلطة يصر على اتهام  التيار الإسلامي بتهمة الإرهاب، بينما يصر التيار الإسلامي على اتهام السلطة بأنها راعية الإرهاب والمدبرة له والمنفذة للعمليات الإرهابة التي تحدث.
رأيت أن أبحث في منشأ فكرة العمل المسلح المناهض للسلطة في تاريخ مصر الحديث، وكذالك الحالة الأمنية والسياسية المصاحبة ، لنقف على حقيقة الأمر ، ونرى ما أصاب الموضوع من بدايته من تغيرات يجب أن توضع في الاعتبار الأن.
وأقدم ببعض ملاحظات أعتقد ستفيد فيما أردت أن أقدم له.
الاغتيالات السياسية قبل ثورة 1952م، كان أهمها:
اغتيال بطرس غالي باشا وزير الحقانية في عام 1910 م حين أطلق إبراهيم ناصف الورداني الرصاص على بطرس غالي الرصاص فأصابته رصاصاتان في عنقه فقتلته، والمتهم كان من أعضاء الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، والذي اهتم بالتنديد دوليا بحادثة دنشواي التي ترأس قضاتها بطرس غالي، واعتبر الشعب المصري وقتها إبراهيم الورداني بطلا شعبيا قتل الخائن الذي تورط بعمالته للمحتل البريطاني في معاهدة تقسيم السودان، وحاول مد امتياز قناة السويس حتى 2014 م ثم كانت سقطته الكبرى حين أصدرت محكمة دنشواي أحكامها الجائرة على الفلاحيين المصريين لترضي المستعمر. وكل هذا راعته المحكمة التي نظرت قضية الاغتيال ، كما راعت التعاطف الشعبي مع المتهم الشاب ، فخففت من أحكامها عليه.
مقتل أحمد ماهر باشا 1945 م ونفذه محمود العيسوي المنتمي للحزب الوطني أيضا ، ورغم محاولة نسبة منفذ العملية لجماعة الإخوان المسلمين في مسلسل الجماعة ، إلا أن حفيد أحمد ماهر باشا نفى التهمة عن الإخوان وأكد أن العيسوي كان من أعضاء الحزب الوطني.
اغتيال أمين عثمان باشا 1946 م وزير المالية في حكومة الوفد عام 42م حيث كان معروفا عن أمين عثمان عمالته المعلنة للإنجليز وهو صاحب المقولة المشهورة أن زواج بريطانيا من مصر زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه ، وقد أعلن هذه المقولة الصادمة في حضور النحاس باشا رئيس وزراء وقادة الإنجليز في مصر ودعا لجمع تبرعات لدعم جيش المحتل، وقد أدين في القضية عدد كبير من المنفذين وكان من بينهم أنور السادات وإبراهيم كامل وزير خارجيته فيما بعد.
وأثناء المحاكمات كان هناك تعاطفا شعبيا كبيرا مع المتهمين ، وراعت المحكمة الظرف الوطني للمتهمين فخففت عليهم الأحكام أيضا ، والجدير بالذكر أن السادات وابراهيم كامل صدرت أحكام لهم ببراءة وصدر عفوا ملكيا عن أغلب المتهمين عدا المتهم الأول .
إغتيال أحمد بك الخازندار مارس 1948 م ونفذه عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم  وقد ذكر الكتور عبد العزيز كامل وزير الأوقاف المصري الأسبق في مذكراته أن الخازندار كان قاضيا متعسفا في أحكامه ضد بعض شباب الإخوان الذين أعتدوا على جنود إنجليز في الإسكندرية .

إغتيال النقراشي 28 ديسمبر 1948 م وكان الاغتيال بعد 20 يوم فقط من قرار حل الإخوان المسلمين، واستدعاء كتائبها المجاهدة في فلسطين بعد ضغوط مورست من سفير بريطانيا على مصر لحل الجماعة وسحبها من القتال الدائر في فلسطين ، هذا ما يبرر به قادة التنظيم الخاص أمثال محمود الصباغ للاغتيال ، كما أن النقراشي كان رئيس الوزراء ووزير الداخلية في مذبحة فتح كوبري عباس في 1946 م والتي راح ضحيتها العدد الغفير من طلاب جامعة الملك فؤاد وقتها ، وكانت مظاهرات طلابية تؤكد على ضرورة رحيل المحتل البريطاني.
كما تعاطفت أيضا الجماهير مع المتهم وبالأخص بعد نشر صوره بعد التعذيب وهو متورم الوجه ، ورغم هذا أعلن الشيخ حسن البنا رفضه لفكرة الاغتيال في مقاله المشهور ، ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ، وقد حكمت المحكمة بالإعدام على المتهم الأساسي في القضية عبد المجيد أحمد حسن وبالسجن المؤبد على أغلب المتورطين معه.
إغتيال حسن البنا . 14 فبراير 1949 م وكان بعد حل النقراشي للجماعة ومصادرة الأملاك الخاصة بها وبأفرادها واعتقال أعضائها بعد قرار الحل الصادر في 8 ديسمبر 1948 م ، وقد أعيد التحقيق في القضية بعد الثورة وحوكم منفذيها وصدرت ضددهم أحكام رادعة ، وأشار القاضي في حكمه أن الحكومة السعدية قد تورط في القضية مع وزارة الداخلية حيث كان من بين المتهمين محمود عبد الحميد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية  والذي استخدمت سيارته الخاصة في عملية الاعتيال، كما ألمح القاضي أن العملية تمت بمباركة من القصر. وإن لم يثبت تورط الملك بشكل رسمي. والجدير بالذكر أن أحد من نفذوا العملية من الغفر التابعين لوزارة الداخلة قد أعلن شهادته في فيديو متاح على اليوتيوب يؤكد تورط الوزارة والسرايا معا.
وقبل أنهي حلقة اليوم من الدراسة ، أريد أن أوضح عدة نقاط:
أعتمدت على الرواية التي يمكن أن تمثل الحد الأدني المتفق عليه من الكل، هربا من التفاصيل الخلافية التي لن تفيدني فيما أردت الوصول له من استنتاجات.
كما حاولت تقصي أعلى درجات الحصر في المصادر المعتمدة للروايات حتى أتأكد من أن ما أوردته يعتبر محل توافق كل الروايات .
ليس هدفي هنا الدفاع أو الاتهام بقدر تركيزي على عمل شكل من الاستقصاء للظرف التاريخي بهدف الاستفادة من إسقاط المنهج الجلدي الهيجلي على الحدث ورصد  ما موس عليه من حراك بفعل الزمن.
ولكي تكتمل الحالة الظرفيه لما سبق من أحداث علينا أن نرصد التالي.
كانت مصر تخضع للاحتىل البريطاني ، وكان التعاون مع المحتل يعتبر جريمة في وعي المواطن، وإن لم تجرمها قواعد اللعبة السياسية الدائرة على الأرض، حيث كانت الأحزاب وبالأخص في حال تشكيلها للوزارة تحرص على  مغازلة المحتل ، لتضمن الاستمرار في السلطة ، وكانت السرايا تحرص على قنوات اتصال مع الإنجليز لتضمت توازن سلطة القصر مع الحكومة.
كان الحراك الشعبي في مجمله يمارس أشكال من الضغط على القصر والحكومات المتتالية لمنع تنامي نفوذ المحتل في الشأن المحلي ، أو في دعم نشأة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين.
كانت جريمة الاغتيال السياسي لا تقابل بالأستهجان الشعبي كما هو الحال اليوم بل بالعكس كان فاعلها يعامل معاملة الأبطال، على المستوى الشعبي، وكان القضاء في كثير من الأحيان يراعي هذا الوضع، بل وأن المحاميين الذين ترافعوا عن المتهمين في أغلب قضيا الاغتيال السياسي عبروا عن هذا الحال في مرافعاتهم وكان من أشهرها مرافعة إبراهيم الهلباوي المحامي الشهير ونقيب المحاميين الذي قام بدور النيابة في دنشواي وطالب بأقصى للفلاحين وقتها ، وبعدها قاطعه الشعب، وصار مهددا ذليلا حتى كفر عن سقطته بأن ترافع عن إبراهيم الورداني.
وفي كتاب سنوات ما قبل الثورة للأستاذ صبري أبو المجد ذكر أن الحركة الفدائية في مصر والتي كانت ترى أن جلاء الاحتلال ووحدة أراضي مصر والسودان هدفها كان لها قسما خاصا يقسم بع أعضاء الحركة على قبر إبراهيم الورداني لرمزية القبر لدي كل شرفاء الوطن.
كانت مصر تعيش وقتها حالة من حرية الصحافة وقيميتها ، لا نستطيع أن ندعي كمال مثاليتها لكنها كانت أفضل كثيرا مما عاشته مصر بعد ثورة 52 في العهد الناصر من ضغوط ، أو في عهد مبارك من فساد وعمالة واختراق.
وأخر ملاحظاتي أن أغلب القوى العاملة على الساحة السياسية وقتها مارست الإغتيال بشكل منظم تقريبا، فالقصر بارك إغتيال حسن البنا، وعفى عن قتلة أمين عثمان الوزير الوفدي في وزارة النحاس التي جاءت بعد أزمة 4 فبراير 1942 م والتي يتهم فيها حزب الوفد بأن بريطانيا أجبرت الملك على أن يشكل النحاس الوزارة.
الحزب الوطني الذي أسسة مصطفى كامل وضم العديد من قامات العمل الوطني ، تورط منه إبراهيم الورداني ومحمود العيسوي في قضايا اغتيلات، كان كل العاميلين في مجال العمل الوطني يرونها أعمال وطنية عظيمة .
السادات الذي تولى رئاسة مصر كان هو من درب منفذي إغتيال أمين عثمان على السلاح ، وهذا الأمر لم ينكره السادات في كتابة البحث عن الذات، بل أنه كان يعتبره عملا ثوريا .
لم يخرج صوتها بعدها يقول أن السادات لا يجب أن يتولى حكم مصر لأنه إرهابي مثلا مارس الإغتيال السياسي قبل الثورة .

وهنا أنوه لأني شأنشر باقي الدراسة على حلقات سوف أحرص على تضمينها حالة الميلشيات الحزبية والفدائية العاملة في مصر في القرن المنصرم، ودور المنظمات اليهودية واليسارية في بعض الاغتيالات والتفجيرات، وصولا لمحطة المواجهات بين الدولة والإخوان في عهد ناصر، ثم ما تلى ذلك من أحداث في عهد السادات ومبارك، ثم إسقاط كل الملاحظات على واقع مصر الأمنى بعد ثورة يناير.

الأحد، 23 أكتوبر 2016

استثمار مواسم الكراهية


استثمار مواسم الكراهية 
اقتل شوية عساكر من ولاد الشعب المطحون ، واتهم فيهم شوية ناس من ولاد الشعب المطحون ، ثم اصنع جنازات وتوابيت ملفوفة بالأعلام ، وموسيقى عسكرية وشوية رتب يتقدموا بحناجر حديثة عهد بالكأس ، وشوية مواطنين شرفاء يحملون صور المرشد معلق في مشنقة ، وأخر يحمل صورة مرسي مذبوحا ، وثالث ينبح من الخلف أذبح يا سيسي 
وفي المساء نسمع فحيح القنوات وهي تستضيف أم الشهيد وأظفاله وزوجته الباكية ، وطبعا لازم صور مرسي المذبوح والمرشد المشنوق وصاحب النباح المعهود أفرم يا سيسي .
ثم نسمع بعدها بساعات عن عمليات قتل خارج إطار القانون أو تنفيذ إعدامات أو تصفية غير مشروعة .

استثمار الفزع


استثمار الفزع 
وهي من أسلحة الإرهاب المخابراتي ، باختصار جدتك زمان عشان تخليك تبطل شقاوة كانت تقولك أبو رجل مسلوخة أو أمنا الغولة على الباب ، اسكت عشان هتيجي تاكلك .
نفس الفكرة ، أصنع مؤامرة كونية ، واصنع داعش ، واصنع ألف بعبع هنا وهناك ، ثم طالبني بالصمت حتى لا أعيقك عن صد هذه الوحوش المتربصة فلا صوت يجب أن يعلو على صوت المعركة

استثمار التوتر


استثمار التوتر
من أقذر أدوات المخابرات لضمان صمت الشعوب على الاستبداد سياسة اسمها استثمار التوتر 
باختصار ، صناعة أزمات بشكل دائم ، وعمليات إرهابية مبعثرة هنا وهناك ، نواح وعويل إعلامي لا ينقطع ، تبشير دائم بالخراب ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) 
وهذا يجعل هم الجميع هو ضمان لقمة العيش ، وأن يرجع عياله للبيت كل يوم بدون أن يموت منهم أحد 
ثم يأتي بعدها دور المساومة ، الأمن والشبع أم الفوضى ، عندها وبشكل تلقائي سيختار الكثير من البلهاء أن يقبل البيادة مقابل كيس سكر بالأمس كان من حقه حتى لا نصبح سوريا والعراق.

الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

كيف تريد مني أن أصدق أن داعش ليست جزئ من النظام ؟



كيف تريد مني أن أصدق أن داعش ليست جزئ من النظام ؟

فكيف حتى اليوم لم تستطع كشف مصادر تمويلها ؟
وكيف حتى اليوم لم تقطع خطوط إمدادها بالسلاح ؟
وكيف حتى الآن لم تعرف مرجعياتها العقدية وقياداتها الفكرية؟ 
وكيف تريدني أن أصدق فيديوهات نعلم جميعا أن أمريكا صنعت مثلها في العراق واعترف مخرجوها بأن من المولها كانت السي أي أيه؟
وما علاقة 3000 عنصر دحلاني متواجدون في سيناء منذ الانقسام بالإرهاب في سيناء؟
وما هي الخدمات التي أعلن دحلان أنه قدمها للمنقلب ؟
ومن المستفيد فعليا من قتل المجندين في سيناء؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أليس قتل الجنود موسم لاستثمار الكراهية والمتاجرة بالدماء ورفع صور مرسي والمرشد وهم معلقون بالمشانق؟
ألا يبرر قتل الجنود مزيد من الحصار للإخوة في غزة لنرضي الكفيل الصهيوني؟
ألا يستخدم قتل الجنود وسيلة لتجريف مزيد من الأراضي وهدم مزيد من البيوت وتهجير مزيد من أهلنا في سيناء وتوسيع الشريط الأخضر لحماية الكفيل الصهيوني ؟
ألا يستخدم قتل الجنود لتبرير حالة الفشل بدعوى أننا في حرب ؟
ألا يستخدم دم العيال لنطالب الشعب بالجوع والصمت فلا صوت يعلوا فوق صوت المعركة الوهمية ؟
ألا يتاجر بدم الشباب لتبرير تعطيل الديموقراطية وتبرير القمع والاستبداد ؟
لست هذا الأبله الذي يستطيع أن يتهم سرابا لم أره أبدا إلا في فيديوهات أظنها صنعت في أروقة المخابرات، فلم أرى لداعش مساجد أو منظرين أو دعاة
وأخيرا هل هناك فرق بين من يقتل خمسة شباب في سيارة ميكروباس ليلفق حكاية مفبركة عن عصابة قتلت روجيني ، وبين من يقتل بعض المجندين الغلابة من أبناء هذا الوطن ليستفيد سياسيا على الأرض ، كلهم ولاد مصر ومن يقتلهم واحد .

الخميس، 13 أكتوبر 2016

سيناريوهات سوداء (2)



سيناريوهات سوداء (2) 

ماذا لو الملك سلمان استمر في ضرب البريل وقرر إن كلمته ما تنزلش الأرض أبدا 
وإن أرامكوا مش هاتبعت ولا فسوة بنزين لماسر 
قوم إيه .. الدكر يخرج علينا برجالته وسلطاتة وبابا غنوجة بدعاوي التكشف ، وهانجوع ومش هانام ومش هانفلأس أبدا 
وكلنا لازم نستحمل وبعدين يا باشا ، نرفع الدعم عن الطاقة بشكل كامل ، وطبعا لا صوت يعلو فوق صوت المليطة 
وبعد أسبوع كدة من القرار الحكيم والرشيد والفكيك
قوم إيه طانت أمريكا تقول لسلمان يا سي حنفي ، يقوم سي حنفي يقولها تنزل المرادي
وأرامكوا تبعت البنزين والعروسة ترجع بيت جوزها
وتوتة توتة وخلصت السبوبة

سيناريوهات سوداء


سيناريوهات سوداء 

ماذا لو أرسلت الدولة أتباع لها لجمع الدولار وبشكل كثيف من السوق ؟
طبعا سيزيد الطلب على الدولار ويرتفع سعرة بشكل مفاجئ ومستمر 
طيب خلينا نفترض الدولار وصل مثلا مثلا يعني 25 جنية 
قوم أيه الدكر ينزل قرار حمش بتعويم الجنية ويقوم البنج المركزي بتاعنا يضخ 4 مليار دولار في السوق دفعة واحدة 
يقوم يزيد المعروض وينزل الدولار فجأة في يوم وليلة ل 17 جنية
ويخرج علينا فريق المطبلاتية والرقاصين يقولوا ضربة معلم من دكر
وتوتة توتة وفرغت السبوبة

السبت، 20 أغسطس 2016

التساؤلات - دعوة لفرز الأفكار

التساؤلات

س1: هل يمكن أن نتصور أن هناك من يدعي - رغم إعجاب كل منا بعقله – أن كل ما يعتقده من ثوابت ، وكل ما يعرفه من معارف، وكل أمر يعتقد صحته أو خطأه ، كل هذه المعارف- التي يمكن لنا أن نسميها ثوابت الفرد مجازا - صوابا .
الإجابة الحتمية المتوقعة والمنطقية هي لا . وهذا سيجعلنا نستنتج – ضمنا و بناءً على حتمية الإجابة السابقة- أن ليس كل ما يحمله عقلي من معارف ، وثوابت ،ومعتقدات صحيح .
وهذا سيجعلنا نعود لمقولة ديكارت في سلة التفاح ، وضرورة إعادة فرز معارفنا ؛ للتأكد من مدى صحة تلك المعارف ، والإبقاء على الصواب منها ، وطرح ما يثبت خطأه .
ما يعنيني هنا ، هو معرفة ما يحتويه عقلي بداية من معارف ، وتجريدها لتصبح أكثر تفرداً، وأقل اشتباكاً مع غيرها من المعارف ، ليسهل بعد ذلك دراستها وقياسها والوقوف على مطابقتها للحقيقة .
 ما قدمنا به لن يوصلنا إلا إلى حزمة أخرى من الأسئلة . يكون طرحها الآن أكثر ضرورة .
س2: كيف تكتسب المعارف ؟
س3: هل يمكن أن يكون الفرد محايداً وهو يناقش ثوابته ، ويعيد فرزها ؟
س4: ما هو الصواب والخطأ بداية ؟
س5: ما هو الثابت والنسبي ، والحقيقة والوهم ؟
س6: هل يمكن أن نجعل من العقل ميزاناً يقاس عليه ، للوقوف على صحة المعارف ، ولو افترضنا جدلا أن هذا ممكن ، فأي عقل ولأي إنسان ، يمكن أن نسلم لعقله، ليقول لنا هذه المعارف صحيحة ، وتلك خاطئة ؟

لا آمل أن يكون عقلي قادراً أن يضع الإجابات لهذه الأسئلة . ولكن كل ما يمكنني أن أجهد فيه عقلي هو محاولة التجول بين ما يمكن أن يقربنا لها من معارف وفروض وتساؤلات .
·       كيف تكتسب المعارف ؟ كم حيرني هذا السؤال الساذج .
 فالمعارف تكتسب من الطفولة الباكرة ، ويستمر اكتسابها حتى الممات . حيث يختلف مستوي وعينا -حال تلقي المعرفة- حسب مراحلنا السنية ، وما حزناه وقتها من نضج .
ويسهم في هذه العملية عدة مؤسسات ( الأسرة – المدرسة- المؤسسة الدينية – الشارع-الإعلام ) ، وأشخاص لهم مستويات متفاوتة من المعرفة ، والانحياز .
كما يتفاوت حيادنا نحن في نقدنا لما يقدم لنا من معارف حسب متغيراتنا المزاجية ، والنفسية ، والعمرية .
بل والأهم من هذا كله ، هو مدى كمال العقل أبدا وقدرته على قراءة الواقع قراءة كاملة في كل حين .
كل ما سبق يجعلنا نعود ونؤكد أنه ليس هناك عقل - في وسط كل هذه العوامل المتباينة والتي يستحيل أن تتشابه أبدا أو تتناسق - يمكن أن يسلم من تسرب معارف يعتقد صاحبها فيها صحة أو صوابا، و في الحقيقة هي غير ما يظن ويعتقد تماما.
عندما أراد أن يصنع أفلاطون جمهوريته ، ويوحد فيها منهج تشكيل العقل ، فقد ثبت كل العوامل التي كان يراها مؤثرة في تشكيل العقل ، ولكنه قطعا لم يكن يحلم . ولا أنا كذلك أستطيع أن أحلم ، بآلية ما يمكن من خلالها توحيد الحالة الذهنية ، ولا النفسية لجمهور المتعلمين ؛ لنصل لدرجة واحدة من المعرفة ، والقناعة لدي المتعلمين .
يحضرني هنا طرحا أعتقد أنه لن يزيد المسألة وضوحا بقدر ما يزيدها تعقيدا . العين الآدمية تري عددا محددا من الألوان ، وحيزا معلوما من الأطوال الموجية للضوء . والأنف البشرية كذلك تميز روائح محددة وكذلك الموجات التي تتأثر بها محدودة . وكذلك الأذن . الكلب مثلا يميز الروائح بشكل أكثر كفاءة من البشر . القط مثلا لا يري كل الألوان التي نراها , بل يري  منها الأبيض والأسود فقط. والحصان يرى الأبيض والأسود والأصفر والأخضر. الفأر وبعض الزاحف ، تستطيع أن تشعر ببعض الموجات التي تسبق الزلازل والبراكين ، بينما لا يشعر بها الإنسان .
ألا يجعلنا هذا نفكر ماذا لو أبدلت عيني بعيني حصاني ؟! فكيف سأرى الكون ؟، وماذا سيحدث لو استعرت أذني خفاش ، وكيف سيكون انطباعي عن مدرج الجامعة حين يمتلأ بالطلاب  في وقت الظهيرة من شهر أبريل لو أني استبدلت أنفي بأنف كلب . وكيف ستكون رائحة حديقتي . هل يمكن لنا أن نسأل أنفسنا الآن ، هل كل ما نعرفه ونعيه حقيقي أم أنه مغاير للواقع أو مطابق فقط بقدر كفاءة أدواتنا ، أليست الحواس هي أدوات الإدخال للمعلومات الأولية والبيانات للعقل . فإذا ما علمنا بداية قصور وسائل الإدخال ، وتفاوتها في الدقة هل يمكن لنا أن نثق في دقة المعلومات والمعارف التي سيصل لها العقل بعد هضم هذه المدخلات الغير دقيقة .


·       هل يمكن أن يكون الفرد محايدا وهو يناقش ثوابته ، ويعيد فرزها ؟

أميل دوما لإلباس ثوابتي ومعارفي لباس القداسة ؛ فلا يقربها الشك ولا يلغيها النقد ، فقط عندما أشك ( بمفهومه الديكارتي ) يمكن لي أن أكون محايدا مع نفسي في مناقشة معارفي . هذا ما أعتقده وهذا أيضا غير مبرأ من الشك . فحيادي نفسه يكون نسبيا بقدر ما أستطيع أن أنزع عن معارفي ثوب قداستها . وتجريدها من طلائها القديم وما تشتبك معه من معارف . ولكن في المرات القليلة التي مارست فيها هذا الحياد المطلق ،لاحظت شيء أريد أن أضعه بين أيديكم، لاحظت أن الكثير من معارفي لها جذور قوية وقد قامت على أسس ، بينما الكثير أيضا وجدته موجودا ولم أجد له جذور . ولم أستطع أن أتصور أني كنت أعتقده قبل إعادة التفكير فيه ، بل أني كنت أسخر من نفسي أحيانا كيف أني كنت يوما ما أعتقد صحة هذا الأمر أو خطأه هكذا كما ورثته أو اكتسبته .

آلاف المعارف المنحوتة في رأسي منذ متى لا أعرف ولكنها موجودة ، من نحتها؟ ، ولما ؟، وكيف ؟، وتحت أي تأثير كنت أنا حين نحتَها ؟أو نحتَّها أنا ! . وهل هذا المزيج المتداخل والمتشابك - والذي يجتمع أحيانا ويفترق أحيانا - حين أعمله لأستخرج قرار أو لأستنتج رأي في مسألة ما .هل سينجو دوما من انحراف ؟! . لا أعتقد .

كوبرنكسون قديما كان يصدق أن الأرض مستوية كمستطيل ، الجحيم على حافته من جهة والجنة على جهته الأخرى . تُرى ماذا كان يحس عندما اكتشف كروية الأرض . جليليو كان يعرف فروض كوبرنيكسون ويعتقدها ، أن الأرض كروية وهي كذلك كما قال كوبرنيكسون مركز الكون ومحط عناية الرب ، ترى بماذا أحس عندما طور التليسكوب فرأى الأرض كرة كغيرها من الكور تدور حول الشمس . لا حظ لها يخصها دون باقي الكور المعلقة في فضاء الكون اللا نهائي . بل والأدهى من ذلك كيف لنا أن نتصور إحساسه عندما رفضت الكنيسة في زمنه أن تعترف بما رأته عينيه لأن ما رأت عيني جاليليو يناقض ثابت لديها . وكيف أحس جاليليو حين مات كمدا ، وماذا سيقول لو سَمِعَنَا الآن ونحن نقول الكرة الأرضية  .

·       هل يمكن أن يكون الفرد محايدا وهو يناقش ثوابته ، ويعيد فرزها ؟     

نعيد طرح السؤال ولكن من زاوية أخرى ، مع التأكيد أني لا أضع إجابات . هل يختلف الخلق في رد فعلهم تجاه هذا الموقف الذي نحن بصدده ؟. هذا أمرا يثبته الواقع .
هناك من يقول دائما أن ما نعرفه خير مما لا نعرفه . ويتمسك بما هو عليه من معلوم ، ويجعل أصابعه في أذنه عن الجديد . ويرفض حتى مناقشته لأنه يرفض مناقشة ثوابته .
بينما هناك من يحتفي بالجديد لمجرد جدته ، أو رغبة في ركوب موجة التجديد سواء كان هذا لدافع نبيل أو غير نبيل ، أو لرغبة في الثورة على المألوف .
بينما هناك من يتلقى الجديد بموضوعية . ويقارن بحياد بين الجديد والقديم ، ليميز بين مدى قرب أي منهما للواقع وموافقته  للأرجح والأصوب .
فكل دين جديد قد جابه الفئات الثلاث . وكل مدرسة في الفن والأدب كذلك قد صادمت الفئات الثلاثة . بل كل فكرة جديدة على مر العصور والتاريخ . 
·       ما هو الصواب والخطأ بداية ؟
هل كل أمر أو سلوك نفعله يجب أن يكون إما صوابا أو خطأً ؟ إذا فمن يحب اللون الأخضر مثلا يكون مخطأ لو أشترى قميصه أخضر اللون لأني أنا لا أحب اللون الخضر!، أم أنه أصاب , من لا يحب العسل هل يمكن له أن يحرمه على غيره . هل من يسرق من جيبي حرا في فعله هذا ؟. هل زوجة جاري يجب أن تكون له فقط ولما ؟
هناك من يقول بنسبيه كل شيء فلا يكون هناك خطأ ثابتا مجردا في كل حين ولا يكون هناك صوابا ثابتا على تجرده في كل حين ، هو فقط يكون صوابا أو خطأ باعتبار ظروفه وملابساته . فلا يستطيع أحد عندها أن يقول أن الشمس تسطع كل يوم إلا بعد أن يحدد مكان سطوعها الذي يقصده من الكرة الأرضية لأنها قد لا تظهر في مكان أخر . ولا يستطيع أحد كذلك أن يقول أن سرقة محفظتي جريمة ، ولا اغتصابي لزوجة أخي خطأ. بينما توسع البعض في تصويب وتخطيء النسبي الذي لا يحتمل وصفه بصحة أو خطأ كشراء القميص الأخضر .
المعروف أن الاثنين أكبر من الواحد . والواحد أكبر من الصفر . ورغم اشتمال كل صفه تفضيل كأكبر وأجمل على حد نسبي إلا أنه يمكن وصف مقولة أن الاثنين أكبر من الواحد والواحد أكبر من الصفر مقولة صحيحة  على تجردها لا تحتمل شك أو نسبية . هذه قضية منطقية لا تحتمل المزايدة أو التسويف .  لكن من يستطيع أن يقول أن مقولة القميص الأخضر أجمل من القميص الأزرق يمكن أن توصف بالصحة أو الخطأ مجردة .
·       ما هو الثابت والنسبي ، والحقيقة والوهم ؟
يمكن مما سبق الوقوف على تصور يمكن أن نميز به بين الثابت الذي لا يحتمل وصفه بالنسبية على أنه ما أمكن تجريده ووصفه بصحة أو خطأ ، أو أنه مسلم به كقضية : أنا أفكر إذا أنا موجود ، والنسبي ما لا يمكن تجريده ووصفه بصحة أو خطأ .
أما الحقيقة وأن شابهت الثابت إلا أنها يجب أن يكون التيقن منها أمر متاح للجميع . فلا يسع أحد أن يختلف في ثبوتها ، أي أنها أقرب إلى البديهية . أما الوهم فقد يراه البعض حقيقة ويراه البعض غير ذلك بل ويرى عكسه  ، كل فريق يرى أنه ثابت من جهته ولكن جلاءه له نسبي وغير بديهي للكل . وبغض النظر هل هو صواب أم لا ، فقد اختلف الناس في موقفهم منه . إذا هو حقيقي لدى البعض ووهم لدى آخرين . وأينما كان موقفي من الفريقين فهو ليس ثابت مطلق يحتمل صفة التوهم .
ولمزيد من التوضيح يمكن أن نشبه الثابت بالـ data  أي البيانات التي ندخلها في قواعد البيانات ( كتاريخ ميلاد العامل ، ومؤهله و محل إقامته ). هي في واقعها من البساطة والبدائية بحيث لا تحتمل الشك فيها أو المزايدة . أما ما يمكن لنا أن نستخرجه بعد ذلك من معلومات   information باستخدام برنامج excel لمعالجة قواعد البيانات (كحساب مرتب العامل عن ساعات عمله الأساسية والإضافية عن مدة معينة ) فهذا سوف يعتمد على توظيف البيانات بشكل سليم و قدرة على استعمال البرنامج وفوق كل هذا وقبله حسن اختيار البرنامج والتأكد من دقته . فالثابت هو الـ data  التي منها يمكن أن نتحرك منها والأرض الصلبة التي من فوقها نقفز وتتشابك هذه البيانات وتتفاعل لنستخرج منها ما نستنتجه من معارف من خلال سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تختلف وتتعقد أو تبسط منتجة تفاوتاً نسبياً . 
·       هناك استطراض لا أعرف جيداً ما علاقة بما أريد أن أقول ولكنه ورد على ذهني الآن . وهو هل يمكن أن تكون الدنيا محل تحقق إشباع كامل . علماء النفس يرون أن تحقق الرغبات المباشرة كالأكل والشرب والجنس يحقق إشباع الرغبة وقتياً ، ولكن من حيث المفهوم الكمي للإشباع ، هل يتم إشباع الرغبة كلياً في وقت إشباعها ، بل ليست هناك لذة كاملة يمكن تحققها على الأرض ، فمن يشتهي طعاماً ما لو وجده يعلم مسبقاً ما عانى ليحصل عليه ومشقة هضمه إن أكثر منه ، وما سيعاني حين يحرم منه . إذا فتحصيل لذة ما لا يكون إلا مع تحصيل منغصات تتبعها بشكل أو بآخر . فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب البشر حقيقة ليس محله الأرض .
أعتقد أن البحث عن المطلق كالعدل والمساواة والحرية سبباً دائماً لجنوح العقل ، وانفلاته للواقع الحُلمي الميتافيزيقي ، وتركه لمنهجية التفكير الرياضي .
"خلق الإنسان في كبد" ، نعم هو في حركته في الأرض أسير لرغبات ومشتهيات تتنازعه وتزعجه وتغريه بالسعي الدائب خلف وهم الإشباع الكامل الذي لا وجود له . فعالم المطلق الأفلاطوني ( المثل ) لا مكان له على الأرض . بل أن كل مطلق إذا ما تلبس بإرادة بشرية صار نسبياً . فالعدل مثلاً صفة نطلقها على معني مطلق لم تعشه الأرض كاملاً  أبدا ولن تعيشه . ولكن إذا قلنا عدل عمر ابن الخطاب صار الكلام عن درجة مهما قاربت الكمال فإنها لم تبلغه ؛ ولذا فهي حالة نسبية للعدل غير المطلق . لا أقصد بذلك وصف عمر بنقص العدل بل العكس ، ولكن في ذات الوقت لن نستطيع تناسي بشريته التي حالت بينه وبين المطلق .
س6: هل يمكن أن نجعل من العقل ميزاناً يقاس عليه ، للوقوف على صحة المعارف ، ولو افترضنا جدلاً أن هذا ممكن ، فأي عقل ولأي إنسان ، يمكن أن نسلم لعقله، ليقول لنا هذه المعارف صحيحة ، وتلك خاطئة ؟
لا نمتلك ميزانا غير العقل نقيس به رضينا أم لم نرضى . فحتى لو صممنا موازين متنوعة لنقيس بها أفكارنا و معلوماتنا ومدركاتنا فكل هذه الموازين قد أفرزتها عقولنا وارتضت وسائل قياسها وقيمها . فاللون الأحمر مثلا في نظام . تمثله قيم
 RGB ( R = 255 , G = 0 , B = 0 )
فهذه القيم وتلك الموازين هي وإن صارت ثوابت . ولكنه العقل بداية من صيرها . وأرتضى قيمها وتعارفها . ولكن أي عقل هذا الذي يمكننا أن نعول عليه في توصيف المدركات جميعا ووصفها بثابت أو نسبي ، أو صحيح وخطأ . هذا في واقع الأمر رأس المشكلة ، وأم المتاهة . هل هو عقل فرد أو عقل امتلكته البشرية جمعاء أي عقل جمعي مفترض ( VERTIUAL MIND) أو مجموعة قيم تراكمت عبر مسار التطور الحتمي للبشرية على مر العصور مصدرها سماوي أو أرضي .
 هنا أعود فأذكِّر أني لا أعطي حلولاً لما أطرح من مشكلات ولا أدعي أني أمتلك إجابات لما أثيره من تساؤلات . قد يرى البعض أن ما أثرته من تساؤلات يمثل أموراً بديهية عنده أو مسلمات . ولكن في ظل طرح ما نراه مسلما بلا التأكد من جذوره أهي جذور حقيقية راسخة أو موروثة أو مكتسبة بطرق لا تسلم من نقد أو جرح أرى أن ما يمكن أن نسميه بديهي أو مسلماً به يجب أن يختذل ويضمحل ليأخذ حجماً جديداً ليعاد تسميته المتيقن منه .

التساؤلات 2

أرى أن التفلسف وطرح الأسئلة أمراً يجب أن يوظفه الفرد ليعود بنفع ما عليه أو على غيره . فأنا أسأل لكي أعرف أو يعرف غيري . ولو عرفت أو عرف غيري فقد زاد محتوى العقل الافتراضي - وكذلك أحب أن أسميه للبشرية – .الغريب في الموضوع أني أرى أن حلم كل مصلح أو مفكر أو عالم عاش على هذه الأرض يمكن أن نجمله في وصف ساذج بسيط ومستحيل أيضا، ألا وهو أن يترك الأرض وهي أفضل مما دخلها . أو على الأقل هذا ما أظنه أنا .
روسو كان يرى أن الحياة البدائية على سذاجتها أفضل من المدنيات المعقدة . تي . إس .إليوت كره المدنية الصناعية وتعقيدات زمن الآلة . شعراء الثورة في مصر أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم كثيرين  أعلنوها صرخة مؤلمة في وجه غابات الأسمنت . الرسول محمد من ألف وأربعمائة عام أعلنها أن خير القرون قرنه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفش الكذب . القرآن أنبأنا أن أهل الصلاح ثلة من الأولين وقليل من الآخرين . {كل عصر يرى سابقه أكثر منه خيرية وأقل شرا} وأعتقد أن هذه المقولة رغم احتوائها على صفة التفضيل التي تفضي بنا ولا جدال إلى حدود النسبية، إلا أنها صارت من موروث العقل الجمعي الافتراضي للبشرية .
فقط لو قلنا جدلاً لو أننا تخيلنا الأرض كرة تتدحرج على جبل تري هل هذه الكرة تنزلق لأسفل أم سوف ترتفع للأعلى . هذه المقولة لا أدري لماذا أجدها دائماً نصب عيني عندما أحاول تخيل حركة الأرض الدائبة بمن تحملهم من البشر . الثابت المعرفي يؤكد أن سرعة الكرة عند بدأ تحركها من قمة الجبل ستكون وبلا شك أقل بكثير من سرعتها وهي في وسط المنزلق بفعل عجلة التسارع . فما بالنا بسرعتها وهي على وشك الوصول للسفح والارتطام بل والتفتت أو التلاشي والانفجار . هذا الانفجار الذي يعتقده كل صاحب اعتقاد سماوي والذي نسميه القيامة .
تعالوا معي نمارس لعبة كئيبة مثل كلامي . سنطرح أسئلة هي في الواقع لها إجابات نراها بديهية ولكن في تصوري مصدر بديهية تلك الإجابات لا يجاوز سذاجتنا نحن .

س1 هل العلم مفيد ؟ هل العلم سيمنع الكرة من الوصول للسفح ؟ هل الحياة مع الجهل أفضل ؟
سيتعجل البعض ويرفع إصبع الاتهام نحوي ويقول أن أعراض جنان التفلسف قد بدأت تظهر عليَّ . وأنني أسب العلم و أُرَغِّب في الجهل . وقد يتعجل آخر ويقول أن العلم مفيد وسوف يوقف الكرة حتما وينقذها من مصيرها المحتوم ، وأن الجهل مرض برأت منه البشرية والحمد لله . لي رأي قد يصدم كلا الفريقين . بل إنه يصدمني أنا . مجمله أن العلم إفراز البشر الذهني منذ الخليقة . ويمكن أن يقاس على باقي إفرازاتهم كالبول والبراز والعرق والمني والمخاط الذي أفرزه البشر منذ النشأة الأولى . وأوجه المشابهة بينه وبين بقية إفرازات البشرية كثيرة . فمثلا الإنسان يكتسب العلم بمجرد حركته في الأرض رضي ذلك أم أباه كالبول فيفرزه ولن يستطيع منعه . البول يندرس وتبتلعه الأرض ولكنه لا يفني وكذلك العلم يتلاشى ظاهره ويبقى أثره الذي يتحور ويتشكل . فلو تخيلنا الأرض وقد كدست عليها كتب الأقدمين والآخرين وكل ورقة حملت أثرا لحبر وقارناها بشكل الأرض التي لا يتلاشى عنها غائط البشر فلن يكون بين الصورتين كثير فرق . أعطوني مثلاً واحداً لإفراز بشري نحب أن ننغمس فيه وعندها سأقول لكم انغمسوا في العلم .
ولا أريد أن يظن أحد أني أدعو للجهل فهذا كلام فارغ ولن يحدث حتى لو دعوت له فسأكون هنا كمن يريد أن يمنع البشرية من ممارسة التبول وليس هذا بمستطاع وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع . ولكن يجب أن نعلم أن العلم هو من أشد إفرازات الإنسان فتكاً وتسميماً للبشرية ودفعاً لها على منزلق الحتم . وأيضا لن تستطيع البشرية أن تحيا مصابة بحالة جهل أو احتباس في العلم قياساً على احتباس البول .
ولا أريد هنا أن يبدوا كلامي وكأنه سب في العلم أو زجرا عنه ، فلن يستطيع إنسان كائنا من كان أن يتصور الحياة بلا علم ولكن يكمن العيب الحقيقي في  طبيعة الإنسان نفسه فهو ولا فخر يشرب الماء عذبا فيخرجه بولا ويأكل التفاح فيفرزه قرفا وهكذا فالعلم عندما يناقش كقيمة مجردة يماثل الماء العذب والتفاحة ولكن بعد إضافة تلك القيمة الجميلة لهذا الكائن الملوث يعاد فرزه من جديد قرفا . فعندما نقول أن الكيمياء علم لا تستغني عنه الحضارة الإنسانية فهذا كلام جميل ولكن لو قلنا أن

 الكمياء + الإنسان = البارود ،
 الفزياء + الإنسان = قنبلة ذرية 
 يجب أن يتجه تفكيرنا لكنية هذا الكم المضاف والذي دائما ما تؤدي إضافته لكارثة ، ألا وهو الإنسان .
س2 هل شهواتنا -كحب الجنس والتملك والعلو في الأرض وكنز المال – مسالب ؟ وماذا سيكون شكل البشرية لو أفرغنا الإنسان من تلك الشهوات ؟
إن شهواتنا التي تحركنا في هذا الكون كالعطش والجوع تدفعنا للبقاء وتمدنا بالحياة ، وكلما تعقدت الشهوات كلما كان لها أثرها الأعمق في تكريس تلك الحياة وتفعيلها ، فالبحث عن الأمن أكثر تعقيدا من البحث عن الماء  ، ولذا فشهوة البحث عن الأمن ألجأت الأمم لتفعيل آليات معقدة للدفاع والأمن مثلا .
ولولا الأسود في الألوان ما كانت درجات الألوان المتعددة وكذلك لولا الظلال في أي لوحة ما كان للحقيقة بعدا ثالثا . فالأسود في اللوحة ما وضع إلا لضرورة وكذلك الشهوات ضرورة للبقاء . فلو تخيلنا مجتمعنا البشري وقد تحول فيه الإنسان لملاك لا غرائز ولا شهوات . فهل هناك من سيعمل ؟ ولما ؟. وهل هناك من ستتزين ؟ولما ؟، وهل سيكون بينهم من يخترع أو يتاجر ؟ ولما ؟ أستطيع هنا أن أجزم وبلا تردد على غير عادتي دائما أنه سيكون مجتمع لا تزين فيه ولا عمل ولا بحث ولا نماء بأي شكل ولا تنافس ولا تصارع ولا تقاتل ولا فجور و لا و لا ولكنه لن يكون صالحا للبقاء فيه ولا حتى غير مؤهل للاستمرار بحال . إذا فرغم دنس التشهي إلا أنه ضرورة بقاء . ورغم أن الأسود لون الموت إلا أن استعماله ضرورة . ولذا جُعلت الشهوات دائما في كل دين سماوي محل ابتلاء  وحسن تحكمنا بها دائما هو طريق الجنة وسوء توظيفها دائما هو طريق الجحيم . ورغم أن الديانات قد فسرت كنية الإنسان حين خلق بأنه من طين الأرض الدنس ونفخة من روح الله الطاهرة النورانية لنعي الحكمة من هذا المزيج المتناقض في جوهره . ولو تمت المعرفة العقلية الجيدة بطبيعة هذا المزيج المتناقض لتبينت لنا حقائق غاية الخطورة والرهبة . إذ أن هذا الكائن الطينوراني ( نسبة لطينيته ونورانيته ) الجسدروحاني يخضع لعوامل المد والجذر دوما بين قطبين متنافرين ومتعارضين فتشابه حركته  دوران الأجرام بين قوة الطرد المركزي والجاذبة التي تمنع انفلاته عن مداره . إلا أنه قد ثبت للفلكيين أن الكون يتمدد مع الوقت مما يؤكد حتمية انفجاره مع تقادم الزمن . وما لفت نظري لخطورة معادلة الدوران بين الطرد وجذب عدة مؤثرات وقراءات للواقع وتحليلات قد لا تخلوا من غرابة كما قد لا تخلوا من مغالطات . أن الإنسان بطبعه يوقن بما يراه ويستقربه . والمادة عنده أقرب يقينا من الغيب . أن مساره الذي اختاره منذ الخليقة مسار نزول إلى الطين لا صعود إلى النور . أن الجنة قد حفت بالمكاره والنار قد حفت بالشهوات . فطريق الأولى مر وعر وطريق الثانية ممهد حلو . ودعونا نعمل كل ما تعلمناه من حسابات واحتمالات لنتخيل مع كر السنون أين سيكون مكان هذا الكائن "الطيننوراني". ألا يعيدنا هذا الكلام إلى إعادة تأمل حال الكرة المنحدرة فوق جبل الزمن .
ما سبق يجعلنا ببساطة نستطيع التوفيق أو فهم أغلب الأطروحات الفلسفية وإن تناقدت . جدليات هيجل وحتميات ماركس لو فهمناها في ظل المعادلات التي أضافت الإنسان أو التطور الطبيعي له كقوة فاعلة ، فقط نختلف معهم في سلبية هذه القيمة المضافة للمعادلة بينما افترضوا هم إيجابية تلك القيمة المضافة ، والمثال الصريح الذي يحضرني الآن هو هذا الجهد الجهيد الذي أرسى به كانط حلمه في تأسيس شريعة إنسانية تمخضت عن إنتاج عصبة الأمم والتي تطورت بدورها للأمم المتحدة ، فقد تكونت قناعات لدي من تبع كانط واقتنع بمشروعه للسلام الدائم أن الإنسان تقوده حتمية التطور في ظل غائية خيرة للعيش في سلام يمكن أن يحلم به الفلاسفة فيولد ، والآن وبعد أقل من قرن واحد على ميلاد هذا الحلم ممثلا في عصبة الأمم ووليدتها الأمم المتحدة بعد أن أضيفت إلى الحلم النظري المجرد تلك القيمة السالبة أبدا " الإنسان " بطينورنيته التي تنصر الطين دوما ، والغائية الشريرة في حقيقتها ، تعالوا معا لنرى ما أضاف الإنسان بممارساته لأحلام كانط .
الطين فينا لا يقنعه منطق  النور ولا يعترف به ، فالحق مجرد خيالي أقرب إلى الحلم . في حين أن السيف والبارود والطائرة كلها ماديات نلمسها ونؤمن بها ونحسن استعمالها . الأرض التي تطأها قدمي وأمتص خيرها أفضل ألف مرة من العدل الذي سأوصف به حين أتركها لأصحابها . الدولار الذي سينام داخل حافظة نقودي أكثر يقينة لدي من أجر الصدقة الذي سأنتظره . للأسف هذا واقع الممارسة الطينورانية وأسفي أو عدمه لن يغير من كونها الحقيقة .
الآن صارت الأمم المتحدة وفي ظل القانون الإنساني المثالي في ظاهره ، على ما فيه من غمط للعدل من خلال ثغراته الممثلة في حق الفيتو الممنوح لبعض أفراد المجتمع الدولي تميزا لهم عن غيرهم . صارت  مع الزمن أداة سلب وسيف بطش في يد القوي يضرب به على يد من يريد من الضعفاء . أي أنه صار عدلا موجها لا يغاير في كثير عدل النبلاء والأمراء في عهود الاستعمار الإمبراطوري .
الديموقراطية وحلم الجمهوريات وحكم الشعوب لنفسها بنفسها وحق العقد الاجتماعي كل هذه الأحلام حين صارت واقعا مارسها الإنسان وأضيف إلى معادلاتها وجودا وممارسة ماذا كان مصيرها ، إلى أي نهاية سيكون مآلها . نحن الآن نعرف أن هناك أكثر من لوبي يحرك الكيانات الديموقراطية . بل وتخصصت بعض جماعات الضغط في شراء النواب والإدارات في بعض الدول التي تعد رموزا في مضمار الديموقراطية . فهل هذا الواقع يماثل بحال ما حلم به روسو في عقده الاجتماعي وجمهوريته .
ولو أجملنا كل المذاهب الفلسفية من يوم نشوء الجنس البشري وتدوينه للأفكار وتداولها نجدها جميعا وإن تنوعت يمكن أن تصنف الآن إلى مذهبين أو مدرستين . الأول يحاول تفسير الكون من منظور مادي واقعي والأخر يضع نصب عينيه غائية ميتافيزقية أو مثاليه لها دور التوجيه الخفي . وبعيدا عن التحيز لفئة لحساب فئة أو لدينية أو إلحادية . نجد أن المتأمل للفريقين يجد قصورا يمكن أن يقلل من حدته محاولة النظر للمادية على أنها صوت الطين البرجماتي الواقعي والغائية هي صوت النور المثالي الميتافيزيقي أو الماورائي . حين أجد نفسي مام هذا الخيار التوفيقي قد أطرح حزمة من الأسئلة جديدة ،
·   هل هذين الصوتين السابق ذكرهما هما كل الأصوات التي تمثل قوى الدفع والتأثير مطلقا في حركة الكرة الأرضية المنزلقة على الجبل ؟
·       هل الغائية يجب أن تكون خيرة أو بمعنى أخي هل يمكن أن تكون الغائية الدافعة شريرة وليست خيرة ؟
 



          

الاثنين، 13 يونيو 2016

زغروته حلوة رنت في بيتنا


زغروته حلوة رنت في بيتنا 

قصة قصيرة جدا 

أمس شكوت للضابط في منفذ بيع المواد الغذائة من جشع التجار، قلت له أن كيلو الليمون الجيد وصل 50 جنية. وعدني أن الجيش سوف يتدخل ليحسم المشكلة، اليوم اشتريت كيلو الليمون من عربة القوات المسلحة ب 44 جنية، تسلم يا جيش بلادي، وتحيا ماسر، وموتوا بغيظكم.

ماسر بخير بجد


ماسر بخير بجد

قصة قصيرة جدا
تحيا ماسر .. تحيا ماسر .. تحيا ماسر وتسلم يا جيش بلادي
أمس اشتريت من منافذ بيع القوات المسلحة التموينية باكو شاي العروسة وكيس أريال نص كيلو، العسكري حطلي كل حاجة في كيس وقال وهو مبتسم ابتسامة جميلة : عشان الشاي ريحته متغيرش، 
ماسر بخير بجد، 
وتسلم يا جيش بلادي ، 
وموتوا بغيظكم.

كيف تصنع جهاز شرطة فاسد (4)



كيف تصنع جهاز شرطة فاسد (4)

وأخيرا وبعد أن أفسدنا عقيدة الجهاز، وبعد تقنين الطوارئ ، وإفساد منصة القضاء لم يبقى في مشوار إفساد الجهاز إلا خطوة أخيرة .
اجعل الشرطة جهازا عسكريا سياديا ، أي امنحه حصانة الدولة واجعل مقاضاة أفراده أمرا لا فائدة منه، بل واجعله أمرا شبه مستحيل؛ حتى تقتل أي أمل لدى المواطنين في الإصلاح. الأصل أن تاجر المخدرات، والسارق، والمرتشي، وحتى القاتل ،كل هؤلاء من المدنيين ، ولهذا فلسنا في حاجة لجهاز عسكري لنقاومهم. والأصل أن الشرطي رجل مدني ويحتك مع مواطنين مدنيين.

بل والأصل أن الشرطي حين يعتدي على مواطن، فمن حق المواطن أن يشتكيه أمام سلطة المحليات والبلديات التي ينتخبها المواطن، فتقوم البلديات بالتحقيق في الشكوى ولو ثبت جديتها، ووجب عقاب الضابط، وأشرفت البلدية على وضع الجزاء المناسب في ملف الشرطي المدان.

لكن هل يعتقد أحد أنه من المنطقي أن يعتدي ضابط على مواطن، فيذهب المواطن لقسم الشرطة ليحرر له ضابط آخر محضرا ضد زميله الضابط محل الشكوى ، ثم يذهب المحضر لوكيل نيابة بينه وبين الضابط المشكو في حقه علاقات عمل متشعبة ليحقق فيها، ثم يتم تحويلها بعد كل هذا الهري الغير منطقي لقاضي عسكري يحكم بحصانة المعتدي.  

الاثنين، 14 مارس 2016

كيف تصنع جهاز شرطة فاسد ( 3)










كيف تصنع جهاز شرطة فاسد ( 3)


بعد أن صنعت عقيدة شرطية تنسف حق الفرد وخصوصيته.
وبعد أن قننت انتهاك حقوق الإنسان بقانون طوارئ يشرعن الانتهاكات
عليك أن تصطفي من القضاة أفسدهم ومن وكلاء النيابة أخسهم ، ومن الطب الشرعي أرذله ، وتصنع منهم حائط صد يدفع التهم عن أي ضابط تتم مقاضاته بأي شكل كان، وهذا سيجعل ضباط الشرطة يمارسون الإنتهاكات بقلب جامد. لتتأكد أن أمن - المجتمع ، والذي تم اختزاله في أمن الدولة ، ثم تم اختزالة في أمن - معاليك وفريقك من المؤيدين والمنتفعين لن تمتد له يد الفسدة، وأصحاب الأجندات الخارجية، وأصحاب الميول الشاذة والإرهابية، من دعاة حقوق الإنسان، وحرية الوطن، واستقلال قراره السياسي.