الخميس، 22 سبتمبر 2011

العلمانية... التماس والصراع مع الدين
مصطلح العلمانية بكسر العين قد اشتق من العلم أي هو أقرب لفكرة التكنوقراطية والثقة بالعقل والعلم والتشكك في جدوى رقابة المؤسسة الدينية على الحياة والحكم والدولة عموما.
ولظروف نشأة العلمانية محددات يجب دراستها للوقوف على مدى ملائمة استيراد التجربة في الأمة العربية. فقد نشأت العلمانية في الأساس مع قيام الثورة الفرنسية لتجابه عدة تحديات سبقت قيام الثورة الفرنسة، مثل تسلط الكنيسة ودعمها لفكرة الحق الإلهي في الحكم، وهو الادعاء بأن الملك يحكم بتفويض من الله؛ يحرم شرعا الخروج عليه، كما أن الملك الشرعي يحمل في نسلة نورا مقدسا يورثة لأولاده، لذا يحرم حتى التفكير في الخروج على نسل قادم بغض النظر عن قدرته وصلاحه للقيام بمهام الحكم.
فرنسا قبل ثورتها عانت من طبقية صارمة أعطت كل المزايا لطبقة النبلاء والقصر؛ بينما غالت في فرض الضرائب على الطبقة الفقيرة فزادتها قهرا وقمعا ولم تعطها الحد الأدني من الحقوق والتقدير.
فرنسا قبل ثورتها عانت من تواطئ كنسي مع الحاكم، ففي مقابل إسباغ الشرعية على الملك مارست الكنيسة رقابة صارمة على العلماء ومنعت وتدخلت بتهم الهرطقة الجاهزة لحرمان العالم من الكثير من العلوم، بينما انشغلت الكنيسة ببيع الغفران المزعزم لأمة تفشى في نبلائها الفسق والفساد وفي فقرائها العوذ والمرض والقهر.
لذا حين قامت الثورة الفرنسية كان هناك خصمان أساسيان يجب تصفيتهما لتنجح الثورة وهما القصر والنبلاء من ناحية والكنيسة وسلطتها المتضخمة من جهة أخرى.
وهذا ما جعل للثورة فرنسة مساران تبنتهما العلمانية بعدها وهما الحرب على الكنيسة للتأكيد على مدنية الدولة ومقاومة الطبقية .
هنا يجب أن نقف ونتسائل؛ ماذا يمكن لنا أن نستورد من العللمانية وما يجب علينا طرحه منها لتكون فكرة إنسانية يمكن توظيف النافع منها وطرح ما لا يناسبنا، فالمتابع للجدل الحادث في حالتنا المصرية يجد أن هناك الكثير مما يمكن أن يتوافق عليه الجميع ، كما أن هناك أيضا الكثير من الفساد يجب تجنبه عند الاستيراد.
فلا الحزمة كلها بشكلها الغربي أثبتت كمالا في التطبيق على أرض الواقع الغربي، ولا يمكن أن يكون لها مكان تطبيقي في الحالة المصرية بدون الوقوع في متاهة الإقصاء للتيار الديني الذي يمتلك أصلا فكرة تستحق أن نتال حقها غير المنقوص من الحراك والمساهمة والقبول.
ففي الغرب قد يكون العداء والحرب مع المؤسسة الدينية للتأكيد على مدنية الحكم ونزع حق التفويض من الله وإعادته للجماهير.
لكن نحن في الحالة الإسلامية لم نجد المؤسسة الدينية تدعي حق الفويض الله للحكام. بل أن المتابع لتاريخ أمتنا الإسلامية يجد أن المؤسسة الدينية كانت في أغلب تاريخنا الإسلامي تمارس دورا رقابيا وإصلاحيا على كل من الحاكم والمحكوم. أي أنها كانت أقرب للسلطة القضائية كشارح للنص الشرعي في الدولة الحديثة منه للسلطة التنفيذية.
كما أن المؤسسة الدينية لم تمارس أي نوع من القهر أو المحاربة للعلم بل أن المتابع للتاريخ الإسلامي يجد أيضا أن الدولة الإسلامية حظيت بثورة علمية وحركات ترجمة نشطة بل ولم يحارب عالم ولا متفلسف حتى لو اختلف مع الدين من قبل المؤسسة الدينية تحديدا في أغلب العصور. وحتى لو حدث هذا فلم يكن منشأ هذا العداء هو الدين بقدر ما حركته حالة الفساد السياسي الذي قد أثر بحال على مسلك بعض الحركات التي ادعت رقابة دينية في فترات ما ولم تكن ممثلة للمؤسسة الدينية الحقيقية في عصرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق