يوميات مشاغب : دور شطرنج
كان لي زميل من أهل الزقازيق اسمه ابراهيم الله يمسية بالخير كان صاحب اقذر
لسان عرفته في الحياتي، وكانت خفة ظله، ولسانه الطويل، وضحكته الرنانة التي تسبق
حضوره دائما مما يخفف علينا عناء الدراسة ، خرجنا شلة لنجلس على مقهى السنترال -على
ما أذكر - في وسط الزقازيق ، طلبنا الشطرنج، وبدأنا سهرتنا، وكالعادة تجمع حولنا
المتابعين، ولا أذكر من فاز ومن هزم؛ فكنا عادة ما تدور علينا الدوائر، لكن يومها
ابراهيم لم يكن على عادته، كان قلقا ومهموما ، تركنا الباقين حول رقعة الشطرنج،
وسحبنا مقعدين وخرجنا على باب المقهي في الهواء بعيدا عن ضجيج المقهى وصوت الست،
سألته ماذا بك، فرد أمن الدولة أخذ أبي أمس، فقلت ببساطة عادي ، أنت أبوك متعود،
فرد ماشي يا سيدي بس البيت مافيهوش مليم خدوا الراجل بمحفظته.
أبو ابراهيم كان من الإخوان القدامى ، وظل مختفيا في مقبرة طوال عهد عبد
الناصر تقريبا، فقد كان من المطلوبين من عام 54 وظل هاربا، ودوخ الشرطة عقدين من
الزمن، ولم يمسكوه أبدا، والأدهي من ذلك أن ابراهيم وأخوته جميعا قد جائوا في أثناء
فترة هروبه، فكان الحمل دائما يأتي صفعة على وجه الأمن ليؤكد بقاء الرجل الذي تدعي
الشرطة هربه خارج مصر. رغم كل هذا كان ابراهيم أفسد الشلة وأكثرنا وقاحة ، كنت
أحبه لخفة دمه، وكان دائم الخلاف مع أبيه، وكثيرا ما ترك البيت وجاء ليقيم معنا
نحن المغتربين بالأسابيع، وكنا في النهاية نتوسط للصلح بينه وبين أبيه حين تكثر المراسيل
من أمه تسأل عنه، بصراحة كنت أحب عودته للبيت لأتخلص من رائحة شرابه العفنة، وبعد
أن سافرت للسعودية وتزوجت فوجئت بتليفون على الصيدلية وصوت يقول: عليَّ الطلاق أمك
لسة بنت.
فأجبته كعادتي فينك يا بن.....
أنا مندوب دعاية في شركة .... وعرفت أنك في منطقتي وقريبا ستجدني عندك بس
خليك حلو ورجعني بطلبية كبيرة.
وحين جاءني ابراهيم كانت لحيته تغطي نصف صدره، ويده فيها السيجارة كالعادة
، ولسانة نظف كثيرا لكنه لسه محتفظ ببعض رونقه القذر، وعلمت أنه سيتزوج قريبا. بعدها
عدت لمصر وانقطعت أخباره.
على فكرة.. لم نترك ابراهيم ليلة القهوة يعود للبيت إلا بعد أن جمعنا له 10
جنيهات وضعناها في يده حتى يعود والده، وكانت العشرة جنية تكفي وقتها البيت لمدة
أسبوع كامل تقريبا.