الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

يوميات مشاغب : دور شطرنج


يوميات مشاغب : دور شطرنج

كان لي زميل من أهل الزقازيق اسمه ابراهيم الله يمسية بالخير كان صاحب اقذر لسان عرفته في الحياتي، وكانت خفة ظله، ولسانه الطويل، وضحكته الرنانة التي تسبق حضوره دائما مما يخفف علينا عناء الدراسة ، خرجنا شلة لنجلس على مقهى السنترال -على ما أذكر - في وسط الزقازيق ، طلبنا الشطرنج، وبدأنا سهرتنا، وكالعادة تجمع حولنا المتابعين، ولا أذكر من فاز ومن هزم؛ فكنا عادة ما تدور علينا الدوائر، لكن يومها ابراهيم لم يكن على عادته، كان قلقا ومهموما ، تركنا الباقين حول رقعة الشطرنج، وسحبنا مقعدين وخرجنا على باب المقهي في الهواء بعيدا عن ضجيج المقهى وصوت الست، سألته ماذا بك، فرد أمن الدولة أخذ أبي أمس، فقلت ببساطة عادي ، أنت أبوك متعود، فرد ماشي يا سيدي بس البيت مافيهوش مليم خدوا الراجل بمحفظته.
أبو ابراهيم كان من الإخوان القدامى ، وظل مختفيا في مقبرة طوال عهد عبد الناصر تقريبا، فقد كان من المطلوبين من عام 54 وظل هاربا، ودوخ الشرطة عقدين من الزمن، ولم يمسكوه أبدا، والأدهي من ذلك أن ابراهيم وأخوته جميعا قد جائوا في أثناء فترة هروبه، فكان الحمل دائما يأتي صفعة على وجه الأمن ليؤكد بقاء الرجل الذي تدعي الشرطة هربه خارج مصر. رغم كل هذا كان ابراهيم أفسد الشلة وأكثرنا وقاحة ، كنت أحبه لخفة دمه، وكان دائم الخلاف مع أبيه، وكثيرا ما ترك البيت وجاء ليقيم معنا نحن المغتربين بالأسابيع، وكنا في النهاية نتوسط للصلح بينه وبين أبيه حين تكثر المراسيل من أمه تسأل عنه، بصراحة كنت أحب عودته للبيت لأتخلص من رائحة شرابه العفنة، وبعد أن سافرت للسعودية وتزوجت فوجئت بتليفون على الصيدلية وصوت يقول: عليَّ الطلاق أمك لسة بنت.
فأجبته كعادتي فينك يا بن.....
أنا مندوب دعاية في شركة .... وعرفت أنك في منطقتي وقريبا ستجدني عندك بس خليك حلو ورجعني بطلبية كبيرة.
وحين جاءني ابراهيم كانت لحيته تغطي نصف صدره، ويده فيها السيجارة كالعادة ، ولسانة نظف كثيرا لكنه لسه محتفظ ببعض رونقه القذر، وعلمت أنه سيتزوج قريبا. بعدها عدت لمصر وانقطعت أخباره.
على فكرة.. لم نترك ابراهيم ليلة القهوة يعود للبيت إلا بعد أن جمعنا له 10 جنيهات وضعناها في يده حتى يعود والده، وكانت العشرة جنية تكفي وقتها البيت لمدة أسبوع كامل تقريبا. 

يوميات مشاغب 3


يوميات مشاغب 3

انتخابات برلمان 1984 م كنت وقتها في السنة قبل النهائية ، حين حددوا وقت إجراء الانتخابات في شهر 5 من العام ، القرار حرق دمي لمَ يعنيه هذا الموعد بالنسبة لكل طلاب مصر الجامعيين ، من انشغال بالامتحانات وما يترتب عليه من حرماننا من المشاركة في العملية الانتخابية ، فلم أجد وقتها ما أفعله غير إعلان رفضي لموعد الانتخابات، فذهبت لمقر الحزب الوطني بالزقازيق – وقابلت أمين عام الحزب هناك، كان معي وقتها زميل الدراسة العزيز عزمي سعد وكنا طلاب في كلية الصيدلة معا ومن القناطر الخيرية معا ومغتربين معا ونقيم معا في نفس السكن، وحين دخلنا مكتب أمين عام الحزب عرفت نفسي: الطالب حازم وجيه كيوان وعرف عزمي نفسه: الطالب عزمي سعد، وجلسنا وعرضت أسباب الزيارة، وتسجيل اعتراضي على موعد الانتخابات، مع مقدمة على أهمية تسيس الشباب، ودور الشباب في العمل السياسي، وعرضت وجهة نظري، ثم سكت، وبدأ الرجل يتكلم، طوف بنا الرجل في تاريخ مصر الحديثة من خلال قراءة بلهاء لهذا التاريخ، وبشكل سطحي، ومغرض في أغلب الأحيان ، مرورا بالحقبة الناصرية وما لها وما عليها ، ثم تحول مصر في عهد السادات لتعدد الأحزاب، ومناخ الديموقراطية التي أعطت مجال للجماعات الإسلامية المحظورة لتتحرك على الأرض، ثم بدأ في تمجيد الحقبة المباركية، وما نعمت به مصر من مناخ ديموقراطي ، وأن الديموقراطية في مصر في عهدها الذهبي تعاني أزمة الخوف على وحدة الصف المصري، وأن الجماعات الدينية تهدد السلام الاجتماعي ، وأن الحزب  الوطني هو الضمانة لحقوق الأقباط في مصر، وأسهب في هذه النقطة بشكل ممل، وأنا جالس أحاول أن أبدوا مهتما ، ولا أحاول أن أقاطع الرجل الذي يزيد عمره عن ضعفي عمري، ثم أنتبهت للمشكلة الأساسية في الحوار – الرجل يظن أننا أقباط – فأنا حازم وجيه كيوان والثاني عزمي سعد، وبدأت أسمع ما يقوله الرجل من خلال هذا التفسير وأضحك في داخلي؛ ويبدو أن عزمي أيضا فهم الموضوع؛ فكانت عيوننا حين تلتقي قدرا؛ نكاد أن ننفجر معا في الضحك، تركت الرجل ينهي حواره وأنا في قمة الخوف أن تنفجر ضحكاتنا فتكون أزمة، ثم نظرت للأرض وقلت يجب أن نعيد التعارف، أسمي حازم محمد وجيه كيوان، وهذا زميلي عزمي سعد حسن نصر، نحن من أبناء هذا الوطن المسلمين، عزمي له ميول إسلامية بطبعه، وأنا شيوعي لو كنت تقبل هذا التعريف، أو قل اشتراكي حتى لا نوقع أنفسنا في حرج، المشكلة أن الرجل له تاريخ في الاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني معا، وأنه يمدح الثورة، ويسب عبد الناصر، يمجد الديموقراطية، ويؤكد على ضرورة إقصاء الإسلاميين من العمل السياسي، كل هذا كنت أراه في وقتها تناقضات الحزب الوطني الفاسد، وتكلمت في هذا بوضوح، وطلبت في ختام كلامي أن يسجل مطلبي بتعديل موعد الانتخابات ، وسلمت على الرجل وانصرفنا وكدت أنا وعزمي أن نسقط من الضحك قبل الوصول لبوابة مقر الحزب، بعدها أكملت دورتي على باقي الأحزاب وسجلت مطلبي مع دعوة كل القوى الحزبية لدعم هذا المطلب والتأكيد على مشروعيته وأهميته.
سافرت في اليوم التالي -الثلاثاء- للقناطر حيث كان صباح الثلاثاء هو آخر أيام الجدول الدراسي لدينا ، وعدت للقناطر الخيرية ، وحين عدت يوم السبت من الجامعة على شقتي بالزقازيق رأيت غرفتي كما لو كانت تعرضت لحالة سطو، فأنا بصفتي مدمن قراءة؛ كنت أشتري الكتب من سور الأزبكية ، وأرصها في صفوف بجوار الحائط بشكل منظم جدا، وجدت الكتب قد فرشت في كل مكان بالغرفة، وحتى السرير قد أصابه إعصار على ما يبدو، والبلكونة مفتوحة والأوراق في كل مكان. طبعا فهمت ما حدث، وشرعت في إعادة بناء هيكلي بطريقتي المعهودة ، وأعدت تثبيت اللوحات على الحائط من جديد، وترتيب صفوف كتبي ، واستعادة هيكلة السرير، ودخلت عملت شوية ملوخية ناشفة ورز وسلقت فرخة وحمرتها وشوية سلطة، ورتبت المسائل على الآخر، وانتظرت عودة باقي الزملاء، دخلت عملت كاسة شاي ووقفت أشربها على صوت فيروز في البلكونة كالعادة ، دقائق وزارني الحاج محمد صاحب العمارة ، كان غاضبا مقفهرا كعادته لكنه يحاول أن يبدوا هادءا ، أجلسته وحلفت عليه يشرب معي شاي؛ حتى أمتص غضبه، كان يحب هدوئي وخجلي وثقافتي نعم ، كان يضرب بشقتنا المثل بين الثلاث طوابق الأخرى المؤجرة لطلاب الجامعة ، فلم يرفع منا أحد عينه في بنت من بناته أبدا، ولم يسمع لنا صوت صراخ ولا ضحك كما يحدث من غيرنا من الطلاب في الشقق الباقية، إلا أنه نظر في عيني طويلا وكأنه يتردد في الكلام وقال، شوف يا دكتور أحنا ناس منحبش المشاكل ولا وجع القلب، كنت خجلا لأني أعلم أني سببت له أزمة أكيد، فوضعت عيني في الأرض واحمر وجهي الأبيض وبدأ العرق ينضح من وجهي رغم برودة الجو، قال يوم الخميس جاءت الشرطة بالليل وكادوا يكسروا باب العمارة، واتفزعنا كلنا، وطلعوا دوروا عليك وقالوا إنك شيوعي، شوفلك شقة ثاينة يابن الناس إحنا مش ناقصين وجع قلب، قالها وقام لينصرف وأنا أنظر في الأرض خجلا مما سببته للرجل من إزعاج.
قبل أن يخرج قال أنت باقيلك 10 أيام في الاجرة حاول تدبر حالك فيهم، سلمت عليه ووعدته أني سأتصرف، واعتذرت له بشدة ووعدته أني سوف أخلي الشقة قبل نهاية الشهر.
بعدها دخلت نمت وعاد الزملاء وأكلوا الفرخة والملوخية الناشفة والرز والسلطة وأنا نائم.
وحين أخبرتهم بما كان ، بدأ الكل يفكر في البحث عن سكن جديد تضامنا معي ، ولم أجد يومها لي شهية للطعام، وفي صباح اليوم التالي صعد لشقتنا أبن الحاج محمد صاحب العمارة وكان طالب في كلية الهندسة، وأخبرني أن والده يطلب مني البقاء، وأن أنسى ما قاله الوالد لي أمس. 

يوميات مشاغب 2


يوميات مشاغب 2

حين رأيت كثافة العدد؛ وغباء تعامل الأمن المركزي مع المتظاهرين في مظاهرات سليمان خاطر ، شغلني سلاح الأمن مركزي ، فبدأت أقرأ كل ما كتب عنه ( العدد ، التسليح ، التدريب، الظروف المادية ) وهالني أن أعلم أن تعداد سلاح الأمن المركزي يتجاوز 300 ألف مجند، وأن أغلبهم من الأميين أو المتسربين من التعليم الأساس ، وأنهم مسلحون بالهراوات والرشاشات الخفيفة، وأن ظروف التدريب والمعسكرات ظروف غير آدمية بالمرة ، وأن دخل أغلبهم لا يجاوز أصابع اليد الواحدة من الجنيهات شهريا .
وقتها تنبأت للأصدقائي بكارثة قريبه يكون بطل الحدث فيها جنود الأمن المركزي. بل أني تقريبا تصورت سيناريو الكارثة بشكل قريب جدا مما حدث بعدها فعلا.
لم يمر بعدها شهر ونصف الشهر تحديدا في 25 فبراير 1986 م وحدثت انتفاضة الأمن المركزي، التي ثار فيها جنود الأمن المركزي، وكسروا المحال والملاهي في شارع الهوم، وأحرقوها وبدأت تنتشر حالة الغضب، وانضم بعض المدنيين للجنود ، ونزل الجيش واصطدم بالجنود؛ في محاولة لجمع السلاح من الجنود، وانتشرت الموجة في باقي معسكرات الأمن المركزي في القطر مما استدعى مشاركة سلاح الطيران بالهليكوبر وتم قصف بعض المعسكرات بالصواريخ ، وخرج الجنود في أبو زعبل وكسروا السجن وهربوا المساجين وقتلوا ضباط السجن ونزلت الدبابات في الميادين في جسر السويس ورمسيس والقلعة والهليوبليس ، واستمرت المواجهات بين الجيش والأمن المركزي قرابة الأسبوعين، وأقيل بعدها أحمد رشدي وزير الداخلية وعدد من قيادات الداخلية.
المهم أني كنت قد كتبت في صحيفة الحائط بعد أحداث مظاهرات سليمان خاطر بعض ما توقعت حدوثه بالتفصيل، وحين حدثت الأحداث تجمع حولي الأصدقاء وأصروا أني كنت على علم بما سيحدث ، وأنني مشارك في تدبيره، وبصعوبة أقنعتهم أن المقدمات المنطقية تؤدي لنتائج متوقعه، بعدها جاءني من يستدعيني لمقر أمن الدولة ، ووجدت صعوبة كبيرة تركت آثارها بقع زرقاء على ظهري لسنوات حتى أقنعتهم أنها مجرد مصادفة ، أو توقع منطقي لسياق الأحداث. وأن لساني طويل بالفطرة وهذا ما يوقعني دوما في المشاكل.  

يوميات مشاغب


يوميات مشاغب

السابع من يناير 1986 م  كنت وقتها في بداية السنة النهائية بالجامعة ( كلية الصيدلة جامعة الزقازيق، حين قامت المظاهرات في كل الجامعة بعد مقتل الجندي سليمان خاطر في السجن ، كانت بداية المظاهرات في يوم الثلاثاء نزل فيها حوالي 80000 من طلاب جامعة الزقازيق ، وأهالي الشرقية وطلاب الثانوي والمعاهد الأزهرية، وبدأت صدامات عنيفة مع الشرطة استخدمت فيها القنابل المسيلة للدموع بكثافة، وتعددت حالات الإغماء، وكسرت فيها رجل طالب؛ نتيجة إصابة مباشرة بقنبلة غاز في مفصل الركبة، كنت وقتها عضو في حزب العمل الاشتراكي ، وأعرف الكثيرين من كتاب صحف المعارضة.
وهدأت المظاهرات نسبيا يوم الأربعاء لأن أغلب الكليات أغلقت أبوابها، فسافر الطلاب لبلادهم ، زرت مقر حزب الوفد هناك ومقر حزب الأحرار وحزب العمل ، وأخذت منهم الصور ( لم يكن وقتها أمر التصوير سهل فلم تكن الموبيلات قد وجدت بعد) لهذا كانت عملية التوثيق تحتاج مصورين وكاميرات تقليدية، وأخذت المقالات ونزلت على القاهرة لتوصيلها لصحف المعارضة، وكالعادة لم تكتب أي جريدة قومية أي خبر عن المظاهرات، وصلت القاهرة صباح الخميس فذهبت لجريدة الوفد وقابلني الأستاذ مصطفي شردي واستلم مني الصور والمقال، لكن للأسف كانت وقتها الجريدة تصدر كل خميس وقد تم طبع وتوزيع العدد؛ وهذا يعني أن الخبر سينتظر أسبوعا كاملا حتى ينزل بالعدد القادم، ثم توجهت لصديقي الصحفي محمد الحلواني وكان وقتها يكتب في جريدة الأحرار التابعة لحزب الأحرار، والتي تصدر كل يوم أحد، طبعا كانت الصور معي والمقالات تعد كنزا سمينا له ، فشكرني وأخبرني بأنه سيوصل الصور لجريدة العربي الناصري التي تصدر يوم الإثنين، وجريدة الشعب التابعة لحزب العمل وكانت تصدر كل ثلاثاء، أوكلت له المهمة وأنا على يقين أنه سيفي بما أوكلته له ، ثم تحركت بعدها لمقهى قريب وجهزت نسخ من الأخبار والصور وضعت كل نسخة في ظرف ، وتحركت أولا لجريدة الأهرام، وفي الاستقبال سمع مني الموظف الموضوع، وطلبت أن أقابل الأستاذ أحمد بهاء الدين رحمة الله عليه؛ لكن للأسف أعطاني عامل الاستقبال سماعة التليفون؛ وكان على الطرف الآخر من أخبرني أنه الأستاذ أحمد بهاء الدين وأن الظرف قد وصله لكنه اعتذر لأنهم ممنوعين من الكتابة حول هذا الموضوع. خرجت من الإهرام لجريدة الأخبار وطلبت لقاء الأستاذ مصطفى أمين، وتكرر ما حدث في الأهرام، وكان وقتها الأستاذ مصطفى أمين يشرف على مشروع أسمه صندوق الدنيا على ما أذكر ، يأتية الناس بخطابات فيها مطالب للمحتاجين يستقبلهم قبل مغادرته للجريدة أما باب الجرنال ، ويأخذ منهم الخطابات التي تحوي حاجاتهم وينشرها في الجريدة لتلقي المساعدات من أهل الخير في حل هذه المشكلات، وكنت قد سلمت النسخة الخاصة بالجريدة في الاستقبال، وبقيت معي نسخة كنت أنوي تسليمها لجريدة الجمهورية ، لكني فضلت أن أنتظر في طابور أصحاب المطالب أمام الأخبار حتى نزل الأستاذ مصطفى أمين ، وحين جاء دوري أن أسلمه ما معي من طلب سلمت عليه وقلت له هذا مطلب 80 ألف متظاهر يضربون ويسحلون ليل نهار، هذا مطلب وطن ، أتمنى أن يجد بعض العناية , فربت الرجل العظيم القامة على كتفي أنا الطالب الجامعي النحيف وقال ربنا يعمل ما فيه الخير.
لم تذكر جرائد الجمعة أو السبت القومية أي خبر عن المظاهرات ، ويوم الأحد نظرا لأنه بداية نشر الخبر في جرائد المعارضة ( الأحرار ) ذكرت الأهرام والأخبار والجمهورية خبر قصير مفاده: أن بعض المشاغبين في مدينة الزقازيق نظموا مظاهرات، وكسروا بعض واجهات المحلات ، وأشعلوا بعض الحرائق، مما أضطر قوات الأمن للتصدي لهم، وأننا نحن المشاغبون قد أعتدينا على قوات الأمن المركزي؛ وأصبنا 37 جندي من جنود الأمن بإصابات بعضها خطيرة

تعليقا على مقال الأسواني ( إلى أين يأخذنا الرئيس)

تعليقا على مقال الأسواني ( إلى أين يأخذنا الرئيس)


رغم أني أحب فكر الإخوان؛ بحكم ارتباطي التنظيمي بهم لفترة من عمري قبل أن أنفصل عنهم في التسعينات
ورغم أني أختلف في كثير من الأحيان مع الأسواني في حكمه الغير دقيق على فكر الإخوان
إلا أني أتفق مع أغلب ما جاء في المقال من ملاحظات على أداء مرسي قد أجد نفسي مجبرا على قبول فكرة التدرج ، منحازا لفكرة نيلسون مانديلا في التغير ( نسامح ولا ننسى ) والتي تقوم على فكرة العفو عن من أساء في السابق؛ مقابل تكفير هذا الذي أساء عن خطأه واعتذاره عنه وتعويض المضارين.إلا أني في نفس الوقت أتسائل كيف أن مرسي الذي خرج الملايين يحتفلون بنجاحه في النتخابات - أعلم ان من خرجوا يومها ليسو جميعهم إخوان, فقد فاق عدد من نزلزا يومها للميادين وأنا منهم العدد الذي انتخبه فعلا - لم يستثمر هذا التأيد الشعبي لصناعة تغيير ثوري يلمسه المواطن على الأرض؛ فأتصور أنه يومها كان يمتلك القدره على خلخلة الداخلية ، وإقالة النائب العام وصناعة تغيير حقيقي يمهد لتحسن ملموس في الوضع المصري، وأتصور أن عدم اغتنام هذه الفرصه وغيرها من الفرص التي كان يمكن أن تصنع واقع ثوري قادر على بلورة مشروع حضاري ثوري يصطف خلفه الشعب بكافة فصائله.إلا أني لا أحمل مرسي كامل المسؤلية في هذا الفشل ؛ بل أني أرى الفرقاء السياسيين وعلى رأسهم التيار الناصري والليبرالي والعلماني قد صنعوا واقعا فاسدا من ممارسة العمل السياسي أضعف روح الثورة بل أصاب الواقع السياسي المصري بحالة من الكفر السياسي بالكل.وللأسف حشد بعض القوى السياسية لم يمهل مرسي ولا الثورة ، فبعضهم حشد حتى قبل جولة الإعادة واختاروا معارضة الإخوان قبل أن يحكم الإخوان أصلا ، وهذا يخرج المعارضة عن دورها الموضوعي ليضعه في دائرة الإقصاء .فهناك محافظ ناصري يستقيال بمجرد نجاح رئيس إخواني لم يحلف اليمين بعد، وهناك من حشد في الميدان قبل الإعادة رافضا استكمال الانتخابات مطالبا بمجلس رئاسي مدني، وهناك من رفض المشاركة في الفريق الرئاسي لمجرد أنه يرفض مشاركة الإخوان.كل هذا واقع صنع ارتعاشة يد الرئاسة ، وقد يكون هذا ما دفعه لقبول داخلية معيبة تعد ببعض التغيير، أو بأصحاب رؤس أموال لوثهم عهد مبارك بلا مراجعة تستوجب الصفح ، سعيا لعدم خلخلة سوق العمل بالقطاع الخاص بما يستوعبه من نصف عمالة مصر، تجنبا لأزمات قد يليها تصفيات للمؤسسات؛ وتفاقم للبطالة.حين نعترف بأن أداء مرسي مهزوز فهذا واجب أخلاقي ، لكن حين ندرس أسباب هذا الخلل والارتعاش نعلم أن الخريطة السياسية في مصر قد تحملت الكثير من القذارة التي ساهمت هي الأخرى في تشتيت روح الثورة. وقريبا جدا سوف تكون الثورة القادمة التي ستجلي هذه النخبة الفاسدة ، وسوف تعلن الكفر بأربطة العنق اللامعة التي لم تفهم دورها في استكمال المسار الثوري ، ولم تعي واجبها في جعل أولوية استكمال مؤسسات الدولة ( الدستور ، والبرلمان ، والمحليات ) هو أساس الأولوية الهادفة للتطهير، وأن دعم المرشح الثوري كان ضرورة لاستكمال المسار الثوري، لكن التعجل في إسقاطة ، والتعويل مرة على العسكر في إزاحة الإخوان ، ومرة على الفساد في قطاع القضاء ، كل هذا جعلهم يغردون هم أيضا خارج المسار الثوري، فكانوا جميعا في الهم سواء وفي الخيبة شركاء


الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

عبد الحليم قنديل وعمرو حمزاوي والموضوعية المفقود



عبد الحليم قنديل وعمرو حمزاوي والموضوعية المفقود

دائما ما كان خطاب عبد الحليم قنديل يمثل لدي صوت اليسار المعتدل الموضوعي ، كما كنت أجد هذا في عمرو حمزاوي في معسكر اليمين فكلاهما كان يرى الخير في خصومة كما يرى العيب فيهم ، وكان يتكلم بلسان الناقد الذي أحس أنه وضع مصر نصب عينية أولا وأخيرا.
ولكن مع قرب انتهاء التأسيسية من نهاية الدستور ، وزيادة مناخ الاستقطاب ، زالت الموضوعية من خطاب اليمين واليسار معا. وصارت الحرب مع الدستور غاية وليست وسيلة ، والمؤتمر الذي انعقد اليوم في نقابة الصحفين خلا بالكامل من حوار عن أي فقرة من الدستور الجديد ، بقدر ما حوى كلاما مرسلا وتلاسن صريح ومحاولة صناعة حشد بلا منطق، وكأن منطق العقل قد غاب عن العقلاء والأغبياء معا.
وحده الدكتور عبد المنعم أو الفتوح وعمرو موسى ، وبعض عقلاء 6 أبريل هم من نقدوا النص المطروح، وأظهروا الضعف والقوة فيه، بشكل موضوعي يظهر حرصهم على حوار منتج بناء في تصوري،
نعم المعارضة الطفيلية تعلم أن الدستور سيليه برلمان ، وأن اختبار البرلمان الصعب سيضع تلك الكيانات الهامشية عالية الصوت في مكانها الطبيعي على خارطة الواقع السياسي المصري ، لكن كل هذا لا يبرر سعيهم المكشوف الوجه لتعطيل الدستور.
مصر بلد عريق في الدستور، وما يمكن أن يريح هؤلاء هو الدعوة لانتخاب لجنة تأسيسية بالنتخاب الحر المباشر ، وقتها لن تظهر هذه الكيانات الطفيلية في اللجنة المنتخبة لكنهم لن يسكتوا ، فوقتها سيكون الكلام بأن الشعب جاهل ، وأن هناك من لوح له بمفتاح الجنة والنار، ونستعيد أسطورة الزيت والسكر، لكن أيضا لن يسكتوا.
الحل في تصوري، أن تعلم النخبة أنها منفصلة عن الواقع من خلال ردة فعل عامة تؤكد كفر الشعب بهذه النخبة الأفاقة .
أو أن يتم الدعوة العامة للاستفتاء على التأسيسية الموجودة ووقتها فعلا يمكن أن نطالب بقطع رقبة كل من سيفتح فمه بكلمة عن التأسيسية .
فهل تقبل النخبة بأي من هذه البدائل وأتصور أن الحل الثاني أنجع وأجزى ولعلهم يصمتون .