الجمعة، 2 أغسطس 2013

مصر في المفترق – بين استكمال التحول الحضاري أو الردة الحضارية




مصر في المفترق – بين استكمال التحول الحضاري أو الردة الحضارية
بعد أن فقد الجدل المنطقي جدواه ، كردة فعل لحالة الاستقطاب العنيف الذي يشهده الواقع المصري السياسي. أصبح لزاما علينا أن نعيد تأصيل المفاهم؛ لنهرب من حالة التشوية المتعمد للحقيقة، والتي مارسها إعلامنا المنحاز للتكريس اللاثورة.
والعودة للمفاهيم الأصيلة الصرفة قد تشكل أرضية للعقل الجمعي؛ لممارسة عملية التفكير المنتج بشكل مستقل تغني عن الجدل. أي أنني أنوه هنا أني لن أطرح أراء، بقدر ما أمكن المتلقى من استنتاج رأيه بشكل مستقل وحر. وذلك بإعادة تأصيل المفاهيم الأساسية التي تمكنه بشكل منفرد ومستقل من الاستنتاج.
مفهوم الشرعية: الشرعية ( ( Legitimacy  ويقصد بها أن يكون من حق القوة، أن تمارس سلطة على الأرض، بشكل له صفة الرضائية ممن يمارس عليهم هذه السلطة.
وقد تطور مفهوم الشرعية، أو استحقاق ممارسة السلطة عبر التاريخ، فبدأت بشكلها البدائي المبني على فكرة الملك الإله، كما عبر عنها فرعون بشكل جلي حين قال ، أنا ربكم الأعلى ،( النازعات 24 ) وحين قال : أليس لي حكم مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي. (الزخرف 51) – وهذا الشكل من الشرعية ساد الأرض تقريبا في عصور ما قبل خروج المسيحية للنور ، واحتاج فيه الملوك لدعم متصل من الكهنة ؛ لتأكيد حقهم في الملك وتوارث الشعوب .
ثم جاء قسطنطين العظيم   (حوالي 285-337 م) بعد أن تنصر وتخلى عن وثنيته في آخر عهده ، وسمح للمسيحية بأن تخرج للعلن، وأسس مفهوم الحق الإلهي للملوك ، وهو مفهوم  ديني  وسياسي  يستمد من خلاله الملوك الذين يحكمون  بسلطة مطلقة  شرعيتهم، ويعتبرون أي نوع من العصيان والخروج عليهم ذنبا بحق الله،  أشتهر المفهوم في أوروبا، وكان قائما على أن الملك يستمد شرعيته من  الله  مباشرة، ولا يحق لأي قوة أرضية أن تنازعه في حقه الإلهي، ولايحق للمحكومين محاكمة الملك، ومقاضاته فهذا من شؤون الله حسب المفهوم .
ثم تطور مفهوم الشرعية ليستند على مفوم التفويض الإلهي للملك المستبد العادل، والذي روج له ميكيافلي في كتاب الأمير وجان بودان، والفكرة لها جذورها الممتده من عصور ما قبل المسيحية ، وعمدت لتقليص دور الكنيسة تدريجا واعتبارها مؤسسة خاضعة للملوك مثل باقي مؤسسات الدولة ، كبداية لبزوغ فكرة العلمانية الادينية التي تعتتبر أن الدين هو استدعاء سلطة وهمية ، إلا أن التفوض الإلهي لم تحد كثيرا من صلاحية الحاكم وكونه مختارا من السماء بإرادة كونية ، تعطيه حقا في ممارسة السلطة والشرعية معا، وتحد من صلاحية المحكومين في رقابته.
وأخيرا اكتمل تطور المفهوم مع الثورة الفرنسية لفكرة العقد الاجتماعي التي تبناها روسو، والذي أكد على أن التفويض بالشرعية أمر يتنازل فيه المحكوم عن بعض حقوقه للحاكم؛ مقابل أن يقوم الحاكم بتنظيم إدارة الدولة لمنفعة المحكوم. فمثلا حين يضع الحاكم إشارة مرور حمراء، ستحد من حرتي في التحرك مقابل أن أحفظ بها سيارتي من أن تصطدم بغيرها من السيارات. ولا نغفل هنا دور الثقافة الإسلامية، التي مهدت لظهور هذا الفكر في أوربا في عصور النهضة الثقافية الإسلامية، كما تتطورت وسائل تأكيد هذا التفويض لتنتج لنا النظم الديموقراطية القائمة على حق التصويت ، واحترام الأقليه لرأي الأغلبية في المجتمعات المتمدنة. وأفرز هذا التطور فكرة الحصانة للمناصب المنتخبة بالتفويض الذي يؤكد شرعيتها.
وأخيرا لدي تعريفان قد يفيدا في ما أريد الوصول إليه من التساؤل الذي تضمنه عنوان المقال.
تعريف غريزة القطيع: هي ظاهرة تصف سلوك الجماهير أثناء الازمات، او الاضطرابات، او الحركات الاحتجاجية، وتعني الطريقة التي يتم من خلالها توجيه السلوك الجماهيري، والجماعي للجماهير؛ وتستثمرها وسائل الاعلام التي تقوم بشكل مباشر، وغير مباشر بتوجيه الجماهير وقيادتها وكأنها عمياء.
تعريف الاحتكارالاخباري: هي عملية يتم من خلالها السيطرة على المعلومات الجديدة، والاخبار، من قبل جهة واحدة، او اكثر تمتلك مجموعة من وسائل الاعلام، وتسيطر على انتاج الاخبار وتوزيعها، وتؤثر في قيم الاخبار، وظاهرة الاحتكار الاخباري أسوأ ما في العملية الاعلامية؛ لأنها تحرم المجتمع من معرفة الاخبار من مختلفزوايا الرؤية لها.
وبعد ما سبق وذكرت نحتاج هنا لنتسائل بجدية ، أي شكل من الشرعية أكثر تقدما وتطورا، شرعية أنتجها تفويضا حقيقيا من خلال عملية انتخابة حقيقية ؛ أفرزت تفويضا للشرعية ، أم تفويضا جاء من خلال حشد يشكك فيه البعض، ومعايير هي أقرب لفكرة المؤتمرات الشعبية - التي مارسها القذافي- منها للانتخابات.
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أننا نعاني من حالة كبت إعلامي، يؤكد فكرة احتكار الإخباري، الذي يفضي لصناعة شرعية غير حقيقية مبنية على توظيف غريزة القطيع. فيجب أن نعاود تقييم موقفنا هل هي ردة حضارية أو تقدم مرحلي للثورة.
 

شيزوفرينا الحالة المصرية




شيزوفرينا الحالة المصرية

لدينا نخبة لو أنها في إسرائل لسقطت دولة الاحتلال، هكذا قالها الدكتور معتز عبد الفتاح.

لدينا نخبة طالبت بسقوط العسكر، بينما نجد ممدوح حمزة يقول ، في اتصال تليفوني على قناة التحرير يؤكد أنه أعطي سامي عنان نائب رئيس المجلس العسكري خطاب يقول فيه: نحن معكم في الانقلاب العسكري ضد سيطرة التيارات الاسلامية، مع تأكيده تاييد 167 شخصية علمانية للعسكرى للقيام بانقلاب، وكان هذا في 13 ابريل 2012م .وقتها كان ممدوح حمزة مطلوب للتحقيق في التسجيل الصوتي المسرب الذي طالب فيه بشل مفاصل الدولة وتعطيل المواني والمطارات والبنوك دعما للعصيان المدني الذي دعت له 6 أبريل قبلها بشهر واحد تقريبا.

لدينا نخبة صدعت أدمغتنا بفكرة الدستور التوافقي، ونجدهم على الأون تي في في الفيديو الفاضح يقولون يحب أن يذهب حزب النور في ستين داهية. وأن مصر ليست إسلامية بالفطرة بل هي علمانية بالفطرة.

لدينا البرادعي الذي رفع شعار الدستور أولا ، وقتها روجوا لها وكأنه وحي من السماء، ثم يكون أو مسارع لقبول تعطيل الدستور بعد الانقلاب.

لدينا من اتهموا مرسي بالإقصاء ، والأخونة ، ثم يعلنوها صراحة أن التحرر العلماني يجب أن يكون بالدم وأن هناك دم نزف وسوف ينزف لكن بشرط لا نصل للحرب الأهلية.

لدينا قيادات ليبرالية مثل منى مكرم عبيد، تذهب لتروج لفكرة الانقلاب العسكري في مغارب الأرض ومغاربها.

لدينا أحزاب ترفع شعار الناصرية والقومية العربية تدعم التدخل الفارسي في قلب العروبة النابض سوريا ، وتندد بسقوط الحيسني أبو ضيف وجيكا، رغم الشبهات التي تؤكد قتل جيكا على يد عناصر التيار الشعبي، وهم جميعا معروف عنهم تبنيهم لفكرة قبول القمع الناصري، بل وترحبيهم بقدرة عبد الناصر على قمع خصومه. وفي نفس الوقت تؤكد أن نظام مرسي فقد شرعيته لمقتل جيكا، ثم يخرسون بعد أن تسيل دماء أكثر من 300 شهيد في الميادين على يد الانقلاب الغاشم، وإصابة الألاف ، واعتقال ما يزيد عن 3000 معتقل سياسي في أقل من ثلاث أسابيع.

لدينا قاضي دستوري يقبل سلطة غير دستورية ، ولا يحلف يمينا دستوريا على دستور موجود، يخرج لنا كل يوم إعلانا دستوريا ، لا أعلم له هدف، وآخرها الإعلان الذي استنكر فيه العنف اللفظي الذي تمارسة القوى الثورية المدافعة عن الشرعية في الميادين ، ومهددا إياها بالويل والجحيم على عنفها اللفظي، بينما غفل عن استنكار العنف المسلح والقتل والتصفيات الجسدية واستخدام الدولة لميليشيات البلطجية.

هل أنجزت ثورة 25 يناير المرحلة الأولى من الثورة بعد؟


هل أنجزت ثورة 25 يناير المرحلة الأولى من الثورة بعد؟

الثورات لها مراحل ثلاث، أولها إسقاط السلطة ، فهل أنجزت مصر هذه المرحلة بعد؟ حقيقة لا أظن أن هذه المرحلة قد اكتملت بعد. ومازال لدينا عسكر متربصون بالسلطة ، ومازالت لدينا سلطات لم يتم إسقاطها بعد مثل السلطة القضائية ، وسلطة الأزهر ، والكنيسة ، والداخلية والإعلام، فكل هذه السلطات لم تذعن بعد لسلطة الشعب والإرادة الثورية. ولدينا سلطة نخبة تدعي لنفسها شرعية الطليعة الثورية، وتتزرع بفكرة الطليعة الثورية للهرب من تأكيد شرعيتها بالصندوق.

لا أقصد هنا بإسقاط السلطة، أن أحرم ما سبق من هيئات أو مؤسسات من أحقيتها في أن تمثل قوة تشارك في الحراك، لكن أقصد أن تذعن هذه السلطات للحالة الثورية وما تفرزة الإرادة الشعبية من مطالب.

وقد يظن البعض أن انقلاب 30/6 قد أضر بالحالة المصرية ، ولكنه في حقيقة الأمر أعطى الثورة المصرية فرصة ذهبية لاستكمال التطهير بالشرعية الثورية ، ومن المستغرب فعليا أن مصر لها تاريخ حافل في الثورات، ولو نظرنا لتاريخنا الحديث ، بداية من الثورة على المماليك ، والتي أسست لدولة محمد على 1804م ، مرورا بالثورة العرابية1882م ، ثم ثورة 1919م ، ثم ثورة 1952م ، وجميعها لم تؤسس لنظم تعلى من قيمة الإرادة الشعبية الحقيقية ،  لكن لا أظن أن أي من هذه الثورات مرت بما تمر به ثورة 25 يناير. و هو ما يؤكد على الفرصة الذهبية للشعب المصري في استكمال تكريس الإرادة الشعبية ، حيث أن مناخ تداول المعرفة ، وما أنتجته ثورة الاتصال وتداول المعلومات قد خلق بيئة ثرية يصعب معها أن يلعب كهنة السلطان في تحييد المسار الثوري.

مصر بها صراع حقيقي بين الإرادة الشعبية ، وبين إرادات متعددة ، قد تتفق فيما بينها في إقصاء الإسلام السياسي ، لكنها تختلف فيما بينها بشكل يصعب معه تخيل الاتفاق على الغاية ووحدة المسار، وهذا ما سيجعل إنجاح مسار الإرادة الشعبية والشرعية أمر أكثر إمكانية في وقتنا الراحل.

كما أن تداول المعلومات وما ترتب عليه من جعل العالم مثل القرية الصغيرة، فلم يعد من السهل القبول ببداية نظام قمعي على شاكلة عبد الناصر أو القذافي بعد أن عاني العالم من أزمته التاريخية مع هتلر.

والتساؤل هنا، ماذا نحتاج لتطوير الحالة الثورية في ميادين رفض الانقلاب؟

أتصور أن تطوير خطاب أكثر مصرية، له صفة القدرة على توسيع أطياف التنوع في الميادين، وإرسال رسائل التطمين الهادفة لتحييد من أفزعهم الإعلام المضل، والضغط على ما أهدره البعض من قيم ثورية، أهدرتها الرموز المتعاونة مع الانقلابيين، وفضح شيزوفرينيا النخبة الكاذبة ، مع تفعيل أدوات الضغط الشعبي لدي دول العالم . سوف يكون كافيا لحصار الانقلاب، والذي يجب أن ينتبه الثوار لضرورة استكمال مسار التطهير الثوري فيه بالشرعية الثورية ، أي لا يجب أن نقع في ما وقعنا فيه حين تركنا الميادين إبان تنحي المخلوع مبارك، بدون استكمال التطهير بالشرعية الثورية قبل أن نتقيد بالشرعية الدستورية التي قد تحجم إيقاع التغيير.   

المشكلة المصرية ونظرة تحليلية للواقع ملبس



المشكلة المصرية ونظرة تحليلية للواقع ملبس
حين ننظر للحالة المصرية التي ورثناها في مصر بعد 60عام من فساد الحكم ، ونرى الكم الهائل من الارتباك، والخلل في كل مفردات المشهد المعاش، فلدينا شعب تربى لعقود في ظل غياب وظيفي لوسائل التربية المجتمعية الخمسة الأساسية ( الإعلام ، والمؤسسة الدينية ، والمدرسة ، والأسرة ، والشارع) ، ولدينا إدارة بيروقراطية أوتوقراطية يعتمد الترقي فيها على الأقدمية والولاء وليس النبوغ والمهارة ، ولدينا حالة صحية متهالكة ومؤسسة صحية ضعيفة الأداء، ومؤسسة إعلامية معيبة الأداء ، وأقتصاد منهار، تؤكد على فشله معدلات التضخم والبطالة وأنعدام الشفافية ، ولدينا حالة أمنية مختلة العقيدة ، تبنت مفهوم أن الأمن هو أمن النظام وليس أمن المواطن. ولدينا قضاء معيب ، باختصار لدينا واقع فاسد وملتبس في كل مفرداته باقتدار.
وحين نحاول النظر للمشكلة نجد أمامنا كم هائل من خيوط الصوف متعددة الألوان اشتبكت وتعقدت بشكل يصعب علينا تخيل إعادة هيكلته والاستفادة منه، فهل نقف مكتوفي الأيدي ، ونمارس الإسقاط، ونتبادل التهم؟؟
هذا أسهل الخيارات وأقلها جدوى في ذات الوقت. لكنه خيارا لا يرضيني كمصري يحلم باستعدة مصر على جادة الرقي.
وحين أمعنت النظر وجدت أننا يمكن أن نفصل المشكلة المصرية لثلاث مكونات أساسية ، ( الفساد الإداري – فساد الوعي – الخلل الاقتصادي)
ولكل مشكلة من هذه المشكلات الثلاث دور بشكل أو بآخر فيما نعيشه من خلل اليوم، وعلى هذا فلو تركنا حالة الإلتباس وبدأنا فعليا في التعامل مع هذه المشكلات بشكل متوازي ومتوازن لحلت الأزمة المصرية بشكل ناجز.
فمشكلة الإدارة المصرية هي موروث بيروقراطي أوتوقراطي رسخته مفاهم العسكر الإدارية التى لم يطالها ما طال الإدارة المدنية من تطوير، وللأسف نجد على رأس أغلب المؤسسات في دولة قيادات هبطت عليها من السماء بعد أن أنهت خدمتها في الجيش، تعتمد منهج إداري يتبنى مفاهيم إدارة المؤسسة العسكرية ( الترقي على أساس الأقدمية وليس المهارة – والمركزية في الأداء)
وعلينا إعادة صياغة الهياكل الإدارية على مفاهيم الإدارة الحديثة مثل اللامركزية ، وانتخاب المهارات المبني على المهارة وليس الترقي، وإعمال المنظومات الإدارية ، والتيسير في الإجراءات الورقية ، واختزال تركة القوانين المعيقة ، وإعمال نظم الرقابة والجودة وإدارة العمليات . مع تخليص الجهاز الإداري بالدولة من ترهل التعامل بالمستندات الورقية وتفعيل قواعد بيانات حقيقية ومحدثة مع تفعيل فكرة الشباك الواحد والربط الإلكتروني لمؤسسات الدولة. وهذا أمر غاية في السهولة ويمكن أن يتم إنجازه في شهور، وقد أسعدني تفعيل فكرة المنظومات في حكومة قنديل ، وأعتقد أنها بداية حقيقة لبناء هيكل إداري فعال للدولة ، وأيضا فكرة الشباك الواحد ، والتخلص من القوانين المعيقة ، وأتمنى أن يتطور هذا الأداء على يد من سيأتي بعد قنديل.
أما أزمة الوعي – وأقصد بها منظومة تكوين الفرد، بحث يصبح لدينا المواطن العارف لحقوقه القائم على واجباته، الخالي من آفات تضخم الذات المعيقه للعمل الجماعي، القابل للنقد ، القادر على النقاش.
وهذا في تصوري يحتاج لتفعيل أدوات التربية المجتمعية الخمسة التي سبق وعددتها ، مع إعادة بناء المناهج التعليمية لتكون أكثر تركيزا وتوافقا مع احتياجات سوق العمل ، مع وضوح للأهداف السلوكية في بناء المناهج. ومما أقترحع في هذا المجال، هو فصل المسار الدراسي في الأزهر لمسار شرعي ومسار تجريبي ، مع اختزال المواد الشرعية في المسار التجريبي بهدف التركيز على العلوم التجريبية ، مع صياغة منهج شرعي مركز يهدف لتكوين الطبيب المسلم ، والصيدلي المسلم وهاكذا .
كما أقترح أن يوحد منهج التربية الدينية في التعليم غير الأزهري ، بحيث يكون منهج يمكن تدريسه للمسلم والمسيحي ، وهكذا يسهل أن نوحد فيه الاختبار ، مع إدارج مجموعه للمجموع العام، وأعتقد أن هذه الفكرة سوف تدعم اللحمة الوطنية وتصنع خلفية سلوكية تدعم مساحات الاتفاق ، وهناك من التوافق الكثير الذي يمكن جمعه من الديانة الإسلامية والمسيحية .
أما بالنسبة للإعلام ، فأتصور أننا نمر بأزمة إعلامية حقيقية ، تحتاج تدخل مجتمعي لوضع ميثاق أو كود أخلاقي كما حدث في أمريكا في عام 47م يحفظ حقوق المجتمع، ويؤكد على دور الإعلام في إتاحة المعلومة بمصداقية تؤهل المتلقي لتكوين أراء مبنية على حقائق، وأتصور أننا بعد ثورة يناير عانينا من حجم التشوية الفكري من هذا الإعلام المفتقد للمهنية.
أما مشكلة الاقتصاد، فهي في تصوري أسهل المشاكل ، وأعتقد أيضا أن حكومة قنديل قطعت شوطا كبيرا فيها ، وأتمنى أن لا يتعجل القادم الجديد في الهدم ، لكن عليهم الحفاظ على المسار مع تعديل ما يرونه لكن بلا هدم، فالمشكلة المصرية يسهل حلها اقتصاديا بجذب الاستثمارت الخارجية للصناعات كثيفة العمالة ، وتفعيل مشروع تنمية قناة السويس الذي يعطي مصر مزية تنافسية لجذب هذه الاستثمارات الخارجية بسهولة ، وهذا سيوفر فرص عمل ، وسيكون له دور في خلق مناخ تنافس في القطاع الخاص سينعكس إيجابيا على مرتبات هذا القطاع، كما سوف يقلص الفجوة في ميزان التبادل التجاري الدولي بما يقلل من الاحتياج للعملة الصعبة , وسوف يسهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي ، ويزيد الدخل القومي ، وكل هذا سينعكس إيجابيا على الميزانية العامة للدولة ، بما يمكن من زيادة الميزانية سنويا ويسمح بزيادة مخصصات الوزارات المختلفة و يضمن تحسن الأداء الحكومي ، ويسمح بزيادة المرتبات وسداد الديون.

الخميس، 1 أغسطس 2013

إعلام الثورة وإعلام ما بعد الثوة



حين تضيع منا الخطا في سبل الوصول ، وتختفي علامات الطريق، ويتنامي في داخلنا الشك. علينا أن نقف، ونعيد حساباتنا بعد الخروج من دائرة الحدث، ولعل وقفتنا هذه تتيح لنا فرصة لاستعادة ملامح الطريق.
مصر ثارت، في 1882 ، و 1919 و 52 وفي 71 ، ولكن في جميع الحالات لم تكمل ما ثارت من أجله، بل تشتتت بها الدروب ، وضاعت أهداف ثوراتها بالتدريج، والسبب أنه دائما ما تضيع منا الأهداف في زحام التدافع الذي لا يعلي من قيمة الصالح العام، فتتساقط الغايات في ظل صراع الوسائل.
ولكي نعود لثورتنا بوجهها الفاعل علينا أن نعيد مبايعة الغايات.
ولدي معيار سهل وبسيط نضبط به زوايا العجل الثوري على المسار، وهو ليس معيار فلسفي خرج من بنات أفكاري حتي يجادلني فيه غيري، وإنما معيار موضوعي صنعته حناجر الملايين في الميادين.
علينا أن نعيد اكتشاف المعاني المضمرة في أيدلوجية الميدان التي عبرت الأيدلوجيات جميعا، واستطاعت أن تصنع الحشد الذي أنجح الثورة.
"الشعب يريد"، شعار على صغر مبناه إلا أنه عميق في معناه إذا تذكرنا حال الشعب المصري منذ عهد الفراعين، وهو يرى طبقة من الملوك الألهة تساندها جوقة من رهبان المعابد وأصحاب المصالح، تتحكم في كل شيء ، يبنما تركت للشعب دور المتفرج الصامت.
وما كان تزوير البرلمان في مصر، وزراعة نخبة ممن يسمونهم المفكرين والمبدعين والساسة تقوم بدور الأكسيسوريز لاستكمال بناء هرم الدولة في مصر بعيدا عن محاولة استلهام أو الاستبصار بما يطلبه المشاهدون، إلا شكلا من أشكال هذه الأزمة الفرعونية القديمة.
"الشعب خط أحمر" وهي طلقة أخرجتها الحناجر التي رأت على مدار الدهور أن من لم يقنع بدور المتفرج الصامت فعليه أن يتحمل انتهاك الكرامة. فأرادت أن تصوغ عقدا اجتماعيا جديدا ، يؤكد استحقاق الكرامة .
"أيد واحدة" دليل الوصول ، والخط الأخضر الواصل بين مرافئ الانطلاق ومرافئ الوصول، وصافرة الخطر التي تحذر من تساقط الغايات في دروب التدافع . وتغول الوسائل التي يفترض فيها التنوع ، حتى كادت أن تقسم الناس لجذر تتصارع وتتباغض وتتدابر على الوسائل رغم اتفاقها على غاية وحيدة.
وهكذا يمكن رسم السبيل، واكتشاف كل من حاد عن السبيل ، والتوثق من صحة مسار السائرين نحو حلم الشباب الذي أحسنوا صنعه، ويجب أن نحسن نحن الكهول فهمه.
مصر تحتاج لانتقال ديموقراطي يتعافى معه دور الإرادة الشعبية، وتحترم فيها هذه الإرادة وتوقر، مع الاعتراف بأنه سيكون هناك عثرات لكن هذه العثرات هي أولى خطى الديموقراطية الوليدة وعلينا جميعا أن نراها بهذه العين.
مصر تحتاج تقديس حقوق الفرد، واحترام كرامته ، سواء أكان هذا الفرد في السلطة أو المعارضة. مصر تحتاج أن تعمل كل فصائلها السياسية في النور وأن لا نطارد فصيل لنلجأه للعمل تحت الأرض فينبت لنا ملا تحمد عقباه من الأفكار.
مصر تحتاج لخطاب تعبوي وحدوي يجمع ولا يفرق.
لكن ما رأيناه من إعلام ما بعد الثورة كان كارثة - بمعنى الكلمة بحق- في جله. فقد استفاد إعلام ما بعد الثورة مما أنتجت الثورة من مناخ حرية قد توصف بالسيولة، فما كان من هذا الإعلام إلا أن وظف هذه الحرية لدعم الثورة المضادة التي ما وعت أبدا شعارات الميدان ، والتي ما استوعبت قط أحلام هذا الشعب وطموحاته، فارتدت الأبواق الإعلامية شوكة في ظهر كل القيم الثورية ، وأشاعت روح من اليأس وكرست للفرقة ، ودعمت العنف، وشوهت الحقائق وقلبت المعايير.
وهذا التحدي يضع على كاهل إعلام الثورة عدة تبعات ثقال وهي:
          صناعة نخبه حقيقية تجيد التحدث باسم الناس بصدق وتجرد، وذلك بفتح المنابر الإعلامية لكل من لديه ما يفيد.

  •         التواجد في المحافل الثقافية واكتشاف المواهب والطاقات التي عطلها إعلامنا لأنها لا تعزف على نفس منواله.
  •          تنظيم مسابقات في البحوث والشعر والقصة وكافة المجالات الأدبية ، مع إتاحة فرص لهذه المواهب الجديدة .
هذا فإن أفلح الإعلام الثوري في بناء نخبة ثقافية متجردة للوطن، أكدنا مسار استقلال الوعي، والانحياز المتجرد للوطن وأحلامه. 

سلسلة مقالات كلام صريح جدا جدا- مصر بعد ثورة يناير 3


مصر بعد ثورة يناير
3
سلسلة مقالات كلام صريح جدا جدا
حازم كيوان

ثالثا : التيار الديني : التيار الديني في مصر يعاني من ثلاث أزمات أساسية وهي:
أنه ليس فصيلا واحدا، ولكنه مزيج يغطي في داخله أقصى اليمين واليمين المعتدل والوسط واليسار واليسار المتطرف، ,اقصد هنا باليمين ( التمسك الحرفي بالنقل مع ضعف إعمال فقه الواقع) بينما أقصد باليسار (اعتماد منهج يمكن أن يوصف بالنزق في التغيير). وهذا التنوع قد سهل على خصوم الفكرة الإسلامية أن يصنعوا صورة نمطية ( stereo type ) يمكن أن يجتهد الخصوم في جمع ذلات الفصائل مجتمعة لينسجوا صورة وجدانية نمطية معيبة ومنفره . وهي نقطة ضعف استغلها الإعلام المناوئ بمهارة.
كما أن التيار الديني عانى على مدار حقبة طويلة من الكبت ؛ تربى فيها كثير من كوادره في الخفاء أي تحت الأرض بالتعبير السياسي، وهذا النموذج من التربية يصعب ضبط مخرجاته بالشكل الكامل ، لأن مناخ التربية تحت الأرض لا يسمح بتداول الأفكار وتصحيحها بشكل صحي.
المشكلة الثالثة التي أصابت التيار الديني هي المخاوف الموروثة من الإقصاء لو وصل اليسار أو اليمين للسلطة، فكلا الفصيلين اليسار واليمين كانت له تجارب إقصائية رسخت مخاوف ليس من السهل تجاهلها .
وأخيرا عدم وضوح الفكرة ، فبينما تجد البعض يتكلم عن خلافة وخليفة وبيعة بمفهومها الحرفي ، تجد البعض الأخر يصفها كنموذج قريب من الاتحاد الاوروبي، وقس على هذا أغلب مفردات الأيدلوجية الإسلامية التي تطرحها الفصائل المنتمية للإسلام، فهناك إجابات لم ترح المواطن الحائر في الشارع بعد، وهناك قضايا يمكن أن توصف بالحرجة تحتاج تواصل جماهيري للوصول فيها لشكل رضائي مع المواطن المصري المتدين بطبعه، والليبرالي بطبعه كما قلت سابقا، - ,اقصد هنا بمفهومي كمسلم مصري لفكرة الليبرالية ، أنها تساوي في حقوق المواطنة ، وإعلاء قيمة حقوق الفرد وكرامته واحترامها ، وحرية الاعتقاد ، مع ضرورة التأكيد على فكرة قبول المرجعية الإسلامية .
التيار الفلولي : وأقصد به هنا كل عناصر الثورة المضادة التي تسعى لتقليل أو وقف التغيير الثوري ، وآثاره على مصالحها التي اكتسبتها في دولة الفساد السابق.
لا نستطيع أن ننكر هذا الفصيل، ولا يسهل تناسي حجم شبكة المصالح التي يوظفها هذا الفصيل، وأذكر واقعة لا يسهل علي نسيانها ، حين قابلت أحد سائقي الأجرة يسب الثورة ، وحين سألته قال: الضابط سحب رخصتي عشان ماشي في الممنوع، قبل الثورة كنت أتصل بفلان باشا ( أحد لواءات الشرطة المحالين للتقاعد ) كان الضابط يرجعلي الرخصة وفوقها بوسة.
فإذا ما علمنا أن هذا التيار يتحكم في أغلب الإعلام المصري، وأنه له نفوذ قوي داخل مؤسسة الشرطة والقضاء ، ,انه يملك المال، وأن لديه وجوه وأسماء مازالت لها بعض القبول على الأرض، علمنا حجم التحدي الذي يصنعه هذا الكيان من أجل تشتيت الجهود، وحرف المسار الثوري وإعاقته.
القوى الخامسة : أقباط المهجر وأصحاب فكرة الدولة القبطية، ومعاونيهم من أقباط الداخل، وهنا أحب أن أوضح أمرين في غاية الأهمية .
أن ساويرس أعلن أنه يتولى نفقات حزب أسامة الغزالي حرب الذي تأسس في 2007 وحاز موافقة كانت نادرة أو مستحيلة وقتها من لجنة الأحزاب في دولة مبارك، ثم أسس ساويرس بعدها حزب المصريين الأحرار ، ثم أسس تلميذه محمد أو حامد حزب حياة المصريين ، وأسس مايكل منير حزب هو الأخر. وبالنظر للأيدلوجية المعلنة لكل هذه الأحزاب لن نجد أن هناك مبرر أو مسوغ لهذا التعدد الغير منطقي.
وأيضا هناك من يحلم بفكرة تقسيم مصر وهذا معلن على لسان قادة الدولة القبطية ، وبعض من يرى إمكانية تمرير سيناريو تقسيم السودان.
الأمر الثاني الذي يجب التأكيد عليه ، أن من يريد هذا السيناريو لا يمكن أن نفترض فيه الوطنية كما أنه لا يمثل نصاري مصر، كما لا تلاقي هذه الفكرة قبولا من الكثيرين من نصارى مصر ، لكن يجب أن نعي أيضا أن الحشد المسيحي ليس دائما ما يبنى على خطاب انفصالي صريح ، لكنه في الغالب يعتمد خطاب تعبوي قائم على فكرة الدفاع عن مصالح النصارى . بينما قد تكون خلف مسارات الحشد أهداف لا يعلنها القائمين علية ، لكن يمكن تحسسها في الحراك الدائر على الأرض.

 

سلسلة مقالات كلام صريح جدا جدا - مصر بعد ثورة يناير 2




مصر بعد ثورة يناير
2

حازم كيوان
إذا ما علمنا أو الثورات لها مراحل ثلاث ( إسقاط السلطة ، الفوضي ، البناء) علمنا أننا حتى يومنا هذا لم نحقق المرحلة الأولى من الثورة ، فلم ننزع السلطة من جهاز الشرطة الفاسد، ولم نقض على حلم العسكر بالعودة ، ولم نطهر السلطة القضائية بعد.
أما عن الحالة السياسية في ما بعد يناير 25
فلدينا خمس قوى سياسية تلعب على الأرض، لم تسلم جميعها من مشكلات ، بنيوية وفكرية، تستحق أن تناقش بقدر من المصارحة.
أولا التيار الليبرالي، هو تيار نخبوي في مجمله، لا يجيد التواصل مع نبض الشارع المصري، يتبنى رموزه أفكار قد تكون صادمة لوجدان المواطن البسيط، له علاقات مع الغرب بعضها بجرح وطنيته، كما أن موقفه من القضايا الجماهيرية في بعض الأحيان مثل قضية فلسطين والهوية الإسلامية والعروبة قد يشوبه كثير من الغموض، لكن لكي نكون منصفين ، فهذا التيار ليس نسيجا فكريا ثابتا يمكن محاكة أفكارة ، بل يمكن أن نصفه بأنه أكثر التيارات قربا لضمير المواطن البسيط، لو تخلص من غموضه وزاد من التصاقه بالشارع، وأعاد صياغة فكرة الليبرالية على النموذج المصري، أي حاول التوفيق بجدية بين عقيدة الأمة المتدينة بطبعا، وأفكار الليبرالية التي يمكن استيرادها مع بعض التعديل .
ثانيا التيار اليساري والاشتراكي والناصري، وجميعهم بينهم مساحات من الاتفاق تكفيني الآن لجمعهم في سلة واحدة، لكن هذا الفصيل يحتاج أولا أن يمارس النقد الذاتي لأيدلوجياته في مسائل مهمة منها :
 راديكالية الحكم : وهنا نحتاج أن نذكر بالثوابت التي احتاجت الاحزاب اليسارية في دول الغرب ، أن تعلن صراحة عن تخليها عنها قبل أن يسمح لها بتكوين أجزاب يسارية في الدول الغربية الديموقراطية . مثل إعلان التخلي عن فكرة الحزب الواحد ، والممارسات القمعية للنظم الشيوعية ، وانتهاكات حقوق الإنسان.
وهذا للأسف ما لم يحدث في الحالة المصرية ، فأعلب رموز هذا التيار ، لم تعلن بعد أسفها على الممارسات السابقة للحقبة الناصرية ، بل نجد من رمز هذا التيار من يتفاخر بانتهاكات حقوق الإنسان ، بل ويدشن لعودتها.
كما أن عدم وضوح الفكرة الاشتراكية كنموذج اقتصادي اليوم ، وعدم شرح ما يجب تناسيه من ممارسات مثل التأميم ، وتعديل قوانين الملكية والإيجار ، وعدم وضوح منهج التعامل مع مشكلات موروثة مثل الخصخصة وما أعدت هذه الكيانات الاشتراكية للتعامل مع هذه المشكلة في ظل قوانين وقضايا تحكيم دولي يمكن أن يكون لها تأثيرات كارثية على الواقع المصري.
كما أن هذا الفصيل له إشكالية كبيرة أخرى ، وهي أن أغلب النظم القومية التي شكلها قيادات تنتمي بشكل أو بآخر لهذا الفصيل، كانت لها ممارسات سوداء على الخارطة العربية ( عبد الناصر – صدام حسين – القذافي – بشار ) وهذا النموذج المخيف في وجدان المواطن المصري قد يحتاج لحراك على الأرض من قبل هذا الفصيل يؤكد على أن الماضي لن يعيد صياغة نفسه من جديد.

سلسلة مقالات كلام صريح جدا جدا- واقع مصر قبل الثورة 1



واقع مصر قبل الثورة
1
سلسلة مقالات كلام صريح جدا جدا
حازم كيوان
بداية أحب أن أذكر الجميع أن أعمار الثورات بين خمس لعشر سنوات ، وأن من ظن أن الثورة هي مجرد تنحي مبارك فهو واهم. فالثورة البلشيفية مثلا استمرت من 1905 حتى 1917 م والثورة الفرنسية استمر حراكها عشرة أعوام ، وثورة 19 استمرت من 1919 وحتى 1924 وثورة 52 بدأت في 52 وحققت أهدافها جزئيا في 58
وأن ما يحدث في ميادين مصر هو بعض الحراك الثوري الذي ستشهده مصر ، وأتصور أن أي محلل سياسي لا ينتظهر استقرار الشارع المصري قبل سنوات.
ومن المنطقي أن نحاول فهم الثورة المصرية باستقراء الواقع المصري بتحليل السلبيات التي عاشها المجتمع المصري من ناحية ، ومطالب مختلف الفصائل السياسية ، ومطالب المواطن المصري العادي البسيط، والقوى المؤثرة على مجريات الأوضاع داخيا وخارجيا .
وعلى هذا الأساس يمكن تخيل حجم الشد والجذب الحادث على الأرض، وتصور إمكانية الوصول لتفاهمات من عدمه على المدى القريب أو البعيد.
تحليل واقع مصر قبل 25 يناير 2010
عاشت مصر تحت حكم عسكري بشكل أو بآخر، كرس نظام اوتوقراطي ( أي يعتمد فيه الترقي على الأقدمية وليس الكفاءة) زرع قيادات عسكرية وأمنية في مختلف مؤسسات الدولة ، كرست بيروقراطية فاسدة .
كما تميز هذا النظام الفاسد بأسبقية الخيار الأمنى في حل مشاكله مع الجماهير، مما كرس حالة من الترهل داخل المؤسسة الأمنية ، مع افتقاد الحرفية والمهارة وذلك لما أتاحته ظروف الدولة الأمنية من تدليل للمؤسسة الأمنية ، انعدام الرقابة على عناصرها ، وزيادة ارتكان الدولة على ذراعها الأمني البوليسي في قمع الحراك السياسي بمختلف أشكاله.
اعتمد نظام مبارك أيضا على آلة أمنية وقضاء غير أمين في تزوير متكرر للإرادة الشعبية ، مما صنع حالة من الانسداد السياسي التي تمثلت في فقد وسيلة التغيير السلمي للأوضاع.
اكتملت منظومة الفساد في دولة مبارك من خلال علاقة زواج غير شرعي بين المال والسلطة، مع استكمال الديكور الديموقراطي بأحزاب مخترقة وعميلة في أغلبها. وزادت حدة كل هذه المشكلات في السنوات العشرة الأخيرة من حكم مبارك المخلوع بهدف تأكيد تمرير التوريث.
وعلى هذا فبتحليل التركة التي ورثتها الثورة بعد خلع مبارك، نجد أن لدينا مؤسسة أمنية دللها نظام المخلوع ، ويصعب عليها أن تتعاطي إيجابيا مع التغيير الثوري، ونجد جيشا متربصا للعودة لسدة الحكم ليحافظ على مكتسبات كاد التوريث أن ينزعها منه، وجاءت الثورة فطالب باستكمال التحول للدولة المدنية، وأقصد بالمدنية هنا الدولة التي لا يحكمها الجيش. كما نجد مؤسسة قضاء تحتاج للتطهير العنيف لما أصابها من عفن في دولة المخلوع، لعل هذا يفسر عدم رضا الجميع عن تعاطي المؤسسة القضائية مع الحالة الثورية.

رابط المقال في مجلة الرسالة الدولية