مصر في المفترق – بين استكمال التحول الحضاري أو الردة الحضارية
بعد
أن فقد الجدل المنطقي جدواه ، كردة فعل لحالة الاستقطاب العنيف الذي يشهده
الواقع المصري السياسي. أصبح لزاما علينا أن نعيد تأصيل المفاهم؛ لنهرب من
حالة التشوية المتعمد للحقيقة، والتي مارسها إعلامنا المنحاز للتكريس
اللاثورة.
والعودة
للمفاهيم الأصيلة الصرفة قد تشكل أرضية للعقل الجمعي؛ لممارسة عملية
التفكير المنتج بشكل مستقل تغني عن الجدل. أي أنني أنوه هنا أني لن أطرح
أراء، بقدر ما أمكن المتلقى من استنتاج رأيه بشكل مستقل وحر. وذلك بإعادة
تأصيل المفاهيم الأساسية التي تمكنه بشكل منفرد ومستقل من الاستنتاج.
مفهوم الشرعية: الشرعية ( ( Legitimacy ويقصد بها أن يكون من حق القوة، أن تمارس سلطة على الأرض، بشكل له صفة الرضائية ممن يمارس عليهم هذه السلطة.
وقد
تطور مفهوم الشرعية، أو استحقاق ممارسة السلطة عبر التاريخ، فبدأت بشكلها
البدائي المبني على فكرة الملك الإله، كما عبر عنها فرعون بشكل جلي حين قال
، أنا ربكم الأعلى ،( النازعات 24 ) وحين قال : أليس لي حكم مصر وهذه
الأنهار تجري من تحتي. (الزخرف 51) – وهذا الشكل من الشرعية ساد الأرض
تقريبا في عصور ما قبل خروج المسيحية للنور ، واحتاج فيه الملوك لدعم متصل
من الكهنة ؛ لتأكيد حقهم في الملك وتوارث الشعوب .
ثم جاء قسطنطين العظيم (حوالي
285-337 م) بعد أن تنصر وتخلى عن وثنيته في آخر عهده ، وسمح للمسيحية بأن
تخرج للعلن، وأسس مفهوم الحق الإلهي للملوك ، وهو مفهوم ديني وسياسي يستمد من خلاله الملوك الذين يحكمون بسلطة مطلقة شرعيتهم، ويعتبرون أي نوع من العصيان والخروج عليهم ذنبا بحق الله، أشتهر المفهوم في أوروبا، وكان قائما على أن الملك يستمد شرعيته من الله مباشرة، ولا يحق لأي قوة أرضية أن تنازعه في حقه الإلهي، ولايحق للمحكومين محاكمة الملك، ومقاضاته فهذا من شؤون الله حسب المفهوم .
ثم
تطور مفهوم الشرعية ليستند على مفوم التفويض الإلهي للملك المستبد العادل،
والذي روج له ميكيافلي في كتاب الأمير وجان بودان، والفكرة لها جذورها
الممتده من عصور ما قبل المسيحية ، وعمدت لتقليص دور الكنيسة تدريجا
واعتبارها مؤسسة خاضعة للملوك مثل باقي مؤسسات الدولة ، كبداية لبزوغ فكرة
العلمانية الادينية التي تعتتبر أن الدين هو استدعاء سلطة وهمية ، إلا أن
التفوض الإلهي لم تحد كثيرا من صلاحية الحاكم وكونه مختارا من السماء
بإرادة كونية ، تعطيه حقا في ممارسة السلطة والشرعية معا، وتحد من صلاحية
المحكومين في رقابته.
وأخيرا
اكتمل تطور المفهوم مع الثورة الفرنسية لفكرة العقد الاجتماعي التي تبناها
روسو، والذي أكد على أن التفويض بالشرعية أمر يتنازل فيه المحكوم عن بعض
حقوقه للحاكم؛ مقابل أن يقوم الحاكم بتنظيم إدارة الدولة لمنفعة المحكوم.
فمثلا حين يضع الحاكم إشارة مرور حمراء، ستحد من حرتي في التحرك مقابل أن
أحفظ بها سيارتي من أن تصطدم بغيرها من السيارات. ولا نغفل هنا دور الثقافة
الإسلامية، التي مهدت لظهور هذا الفكر في أوربا في عصور النهضة الثقافية
الإسلامية، كما تتطورت وسائل تأكيد هذا التفويض لتنتج لنا النظم
الديموقراطية القائمة على حق التصويت ، واحترام الأقليه لرأي الأغلبية في
المجتمعات المتمدنة. وأفرز هذا التطور فكرة الحصانة للمناصب المنتخبة
بالتفويض الذي يؤكد شرعيتها.
وأخيرا لدي تعريفان قد يفيدا في ما أريد الوصول إليه من التساؤل الذي تضمنه عنوان المقال.
تعريف غريزة
القطيع: هي ظاهرة تصف سلوك الجماهير أثناء الازمات، او الاضطرابات، او
الحركات الاحتجاجية، وتعني الطريقة التي يتم من خلالها توجيه السلوك
الجماهيري، والجماعي للجماهير؛ وتستثمرها وسائل الاعلام التي تقوم بشكل
مباشر، وغير مباشر بتوجيه الجماهير وقيادتها وكأنها عمياء.
تعريف
الاحتكارالاخباري: هي عملية يتم من خلالها السيطرة على المعلومات الجديدة،
والاخبار، من قبل جهة واحدة، او اكثر تمتلك مجموعة من وسائل الاعلام،
وتسيطر على انتاج الاخبار وتوزيعها، وتؤثر في قيم الاخبار، وظاهرة الاحتكار
الاخباري أسوأ ما في العملية الاعلامية؛ لأنها تحرم المجتمع من معرفة
الاخبار من مختلفزوايا الرؤية لها.
وبعد
ما سبق وذكرت نحتاج هنا لنتسائل بجدية ، أي شكل من الشرعية أكثر تقدما
وتطورا، شرعية أنتجها تفويضا حقيقيا من خلال عملية انتخابة حقيقية ؛ أفرزت
تفويضا للشرعية ، أم تفويضا جاء من خلال حشد يشكك فيه البعض، ومعايير هي
أقرب لفكرة المؤتمرات الشعبية - التي مارسها القذافي- منها للانتخابات.
وإذا
ما وضعنا في الاعتبار أننا نعاني من حالة كبت إعلامي، يؤكد فكرة احتكار
الإخباري، الذي يفضي لصناعة شرعية غير حقيقية مبنية على توظيف غريزة
القطيع. فيجب أن نعاود تقييم موقفنا هل هي ردة حضارية أو تقدم مرحلي للثورة.