الخميس، 8 نوفمبر 2012

يوميات مشاغب - 5 أحب مشاغباتي لقلبي


يوميات مشاغب - 5 أحب مشاغباتي لقلبي

في العام الدراسي 85/86 الذي تخرجت فيه ، حاولت الجامعة ممارسة النصب على الطلاب، كانت الدولة تصرف للطلاب إعانة دعم الكتاب الجامعي - بشرائح تبدأ من 85 إلى 150 جنية - حسب المرحلة الدراسية ، وطبعا هذه المنحة كانت تتأخر لقرب نصف العام الدراسي كل عام، وكنا نصرفها نقدا في السنوات السابقة، لكن في هذه السنة قررت إدارة الجامعة عمل نظام غريب، حيث قررت أن يقوم الطالب بحجز الكتب من إدارة الكلية التابع لها في حدود المبلغ المخصص له، وتقوم بعدها الكلية بشراء الكتب وتسليمها للطلاب، قد يبدوا النظام مقبولا، ومنصفا في الظاهر، لكن إذا علمنا أن هذا الكلام قد تقرر بعد مرور نصف العام تقريبا ؛ أي أن كل طالب قد اشترى الكتب فعلا من ماله الخاص ، وهذا يعني إما أن أشتري الكتاب مرتين من قبيل خلصان الحق ، أو تضيع علينا المنحة. دماغي سخنت كالعادة، وطقت في رأس فكرة مشاغبة أتندر بها حتى اليوم.
بعد إحدى المحاضرات، انتظرت حتى انصرف الدكتور، ونزلت على البنش وتكلمت ، حكيت الموضوع للزملاء ، وقلت لدي حل أريد طرحه عليكم، من بقي له كتب لم يشتريها يسجلها لدي الإدارة ، ويحسب ما تبقى له من المنحة، ومن اشترى كامل كتبة يستعوض ربنا فيها ، لكن لنحرمهم من سرقتنا - عيني عينك -  لدي أقتراح أن يتبرع كل طالب بمنحته، أو ما تبقى منها لسداد ديون مصر، وسوف تمر عليكم ورقه كل طالب يكتب ما تبقى له من مال المنحة، ويوقع عليه ويسجل بياناته ، وهذه الفكرة سنعممها على باقي الكليات بالجامعة ، وستكون ضمان لعدم ترك أموالنا للنهب.
أعجبت الفكرة زملاء الدفعة ، وأنتشرت في الجامعة كالبرق، وصرت أتلقى يوميا تبرعات بالملايين.
طلاب صيدلة الزقازيق كلهم في هذا العام لم يكن عددهم يزيد عن الألف وثلاثمائة طالب في كل المراحل ، إلا أن كليات مثل أداب وتجارة وحقوق، كانت تزيد عن الثلاثمائة ألف مجتمة، ولو فرضنا أن متوسط ما كان يتبرع به الطالب وقتها 80 جنية ؛ قولوا معايا واوووو
المهم بدأنا جمع أوراق التنازل عن المنحة من باقي الكليات، وبدأت سيرتنا تنتشر والريحة وصلت للكبار ، بعدها لقيت إدارة الكلية تستدعيني ، وأخبروني أن ما أفعله مخالف، وأن هذا يعرضني للعقاب، وأن إدارة الجامعة تخبرني بضرورة الكف عن هذا المسار، وأني مطلوب للتحقيق في إدارة الجامعة؛ إن رفضت تناسي الموضوع.
فقلت ببساطة عايز أقابل مدير الجامعة، وتحدد لي موعد، رحت قابلت سكرتير مدير الجامعة، وكان الخطاب أحادي الجانب، حيث طلب مني بحزم أن أسمع ولا أفتح فمي بكلمة، وبأسلوب العصى والجزرة أفهمني أن ما أحاول فعله كلام فاضي ، ولعب عيال، وأنه كان يجب علي أولا أن أسأل هل هذا مسموح به أم لا، وأن الجامعة وضعت النظام لصالح الطلاب، وأن تبرعنا هذا قد يجعل الدولة تلغي المنحة تماما في السنوات القادمة، طبعا كنت باسمع الكلام ودمي محروق، وفي النهاية قلت أريد مقابلة رئيس الجامعة ، فكلام سعادتك مع احترامي لشخصكم الكريم لم يقنعني، أحمر وجه الرجل، وكاد أن يقف ليشير كما يحدث في الأفلام ويقول: أخرج برة يا كلب يا واطي، لكنه عاد وابتلع ريقه بغل وقال أنت مين عشان تقابل مدير الجامعة؟ قلت أنا طالب في الجامعة التي يديرها سعادته، وعندها قام الرجل بغضب وطردني من مكتبه فعلا؛ لكن بصراحة مقلش يا واطي.
عدت للكلية وكانت الدنيا كلها مقلوبة هناك، أستدعوني وأخبروني أن إدارة الجامعة سوف تتخذ معي إجراءات كذا وكذا ، يعني تقريبا هايقلبوني قرد، طبعا دماغي كانت سخنة جاهزة من ساعة ما طردني الرجل. وعينك ما تشوف إلا النور.
نزلت القاهرة وقد سجلت الحكاية بالتفصيل في مذكرة ، وعلى أخبار اليوم؛ وقتها كان المرحوم جلال الدين الحمماصي يكتب يوميا عن حملته للتبرع لسداد ديون مصر، وطلبت لقاء الرجل فتفضل وقابلني ، وحكيت له الحكاية وتاني يوم نزل خبر في الأخبار عن التجربة الجميلة لطلاب جامعة الزقازيق لسداد ديون مصر. ولم يذكر شيء طبعا عن موقف الجامعة على أساس أن النشر سيورطهم.
ورجعت بعدها للكلية ، دخلت وكأني ملك متوج، لم يستطع أي أحد من الإدارة بعدها فتح الموضوع معي، وبدأت أخبار اليوم تتابع أخبار حملتي ولسعت الجامعة كلها قلم ظلت سيرته تلاحقني حتى تخرجت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق