يوميات مشاغب 6- انتخابات برلمان 2000
قبل انتخابات برلمان 2000
بثلاث أسابيع؛ الشرطة اعتقلتني، وغيري ورمتنا في معسكر قوى الأمن في مدينة بنها،
حتى تمت الانتخابات، كانت غرفة السجن بالمعسكر لا تزيد مساحتها عن 70 متر مربع ، وعددنا
يفوق المئتين، مزودة بحمام واحد للاستحمام ، ودورة مياة واحدة ، وحوض واحد لغسيل
الوجه، فكنا نقف بالطابور من بعد صلاة العشاء؛ لندرك الوضوء قبل الفجر، كنا ننام
مثل أصابع المحشي في الحلة ، كل ينام على جنبة خِلِف خلاف فوجهك في قدم من يليك ،
وقدمك في وجه من تليه.
كان بيننا أطفال في
الإعدادي جلبوهم حفاة - يعلم الله - عندما لم يجدوا والدهم، وكنا نقضي الليل
نلاعبهم؛ حتى نلهيهم عن البكاء؛ لكي لا يوقظوا من نام.
بعضنا جُلبوا من
الشارع ليس معهم إثبات شخصية، أو مال، أو ملابس للغيار، وكنت أنا من هذا الفصيل
يومها، فليلتها اتصلت بي زوجتي وكنت في زيارة عائلية، وأخبرتني أن الشرطة يفتشون
البيت، ويبحثون عني، وحين وصلت للشارع لم يعطوني فرصة لجلب أغراضي؛ بل دفعوني داخل
عربة ميكروباس، طبعا اغتصبوها بسائقها لهذا الغرض.
جمعنا رجال أمن
الدولة من الميكروباسات - كلنا معصوب الأعين - في مرور شبرا الخيمة، وأعطونا طريحة
التكدير المعتادة، ثم حشرونا في عربات الأمن الزرقاء المقيتة، وتركونا حتى اكتملت
الأعداد، وبدأ نور الفجر يظهر، تحركت بنا العربات ، و حين تحركنا؛ بدأنا نرفع
العصابة عنا، وعلمنا أننا في مدخل بنها ، وأن الوجهة، معسكر الأمن ، فاستبشرنا لأن
هذا يعني أن المدة لن تطول ، لأنه غير معد لاستقبال المساجين بشكل رسمي.
وحين وصلنا للمعسكر،
طبعا كلنا أعاد العصابة على عينه قبل النزول، تجنبا لليد الغليظة، ساقونا للمحبس
بالسياط كالعادة، لكن بعد أن دخلنا للزنزانة سمعت صوت من يأمر الجنود بعدم ضربنا،
وانصرف الجميع ، وسمعنا صوت الباب الحديد بترباسه الصلب الثقيل.
رغم كل هذا العنت ،
إلا أن الله قيض لنا رجلا من رجال الشرطة الشرفاء، لن أنساه ما حييت، لن أذكر اسمه
حتى أستأذنه في ذلك، أكرم ضيافتنا بكرم من رضع من نيلها، فلم نشتكي من نقص في
الطعام، أو الشراب، حتى الشاي، كان يرسل الجنود بالشاي وكأننا في فندق.
كان يزورنا مرات
ويعتذر لنا، ويقول أعلم أنكم أنظف ألف مرة ممن جلبوكم هنا، إلا أنها أحوال البلد
المقلوبة فاعذروني، طلب يعضنا أن يشتري
أدوية ، وبعضنا كان يحتاج لغيارات أو ترنجات للنوم، وبعضنا طلب أن يتصل بأهله
لأنهم لا يعلمون باعتقالة، فأرسل من الجنود من اشترى الأدوية ، والملابس، ووعد من
أراد أن يتصل بأهله أنه سيبلغهم بالأمر، ووفى، حين شكونا من ضيق المكان وضعف
التهوية ، ترك لنا مساحة التريض مفتوحة على الزنزانة حتى يسهل تدبير مكان للنوم،
وتتحسن التهوية.
انتهت الانتخابات ،
وجاءت الأوامر بالإفراج، وقف على باب السجن يودعنا، ويعتذر عن خطأ لا يتحمل هو
مسؤليته بالقطع، يومها لم أملك نفسي وأنا أصافحة ، فبكيت واحتضنته ودعوت له، وقلت
أتمنى أن تزورني يوما في القناطر؛ واعلم أن لك شقيق هناك. هو طبعا لم يفعلها، ولم
أتصور أن يزورني فعلا، لكني أحسست أن هذا واجبي أن أشعره أننا جميعا نقدر موقفه
النبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق